عدد الذين شاهدوا هذه الصفحة معك

31‏/01‏/2014

ومضة موت الفرح للشاعر ضياء الدراجي

دورت الفرح لكيتة بنعش محطوط
صليت عله الجنازة ورافكت حزني
***********************
بقلم ضياء الدراجي

ومضة للشاعر ضياء الدراجي


عندي قلب شكبره يوسع كون
مقبط حزن مابي للفرح قطره
****************
بقلم ضياء الدراجي

لا للطائفية بقلم الشاعر ضياء الدراجي


انه عراقي وحجيك ابد ما مقبول
بكلمه طوائف تكسر جناحي
عندي بيت أهناك بجبل اربيل
وترى بيت الكصب بالهور مراحي
مضيفي بالرمادي وسهل الانبار
يحلف بالنبي وعلى الداحي
ولا تضن سوالف حقد مني تفوت
تره انه العراقي اظل اله صاحي
اكض ليل الحقد وطك ظهر  بزود
 فعل وضاكه من تخطه ساحي
**************************
بقلم ضياء  الدراجي

الشيخ المرحوم كامل محمد الحطاب الدراجي


الشيخ المرحوم كامل محمد الحطاب الدراجي

الشيخ المرحوم كامل محمد الحطاب الدراجي


الشيخ المرحوم كامل محمد الحطاب الدراجي

21‏/01‏/2014

قشمرت الفرح للشاعر ضياء الدراجي


قشمرت الفرح ردته الي يزور
طلعلي بدرب كلي متواعد
*******************
بقلم ضياء الدراجي

من صغري الحزن يلعب وياي للشاعر ضياء الدراجي


من زغري الحزن يلعب وياي
وفي وابد ما يوم فارگني
*********
بقلم ضياء الدراجي

صفنت الوقت للشاعر ضياء الدراجي


صفن بيا الوگت وتحير وياي
كلما يهزني اطرح اعثوك
***********
بقلم ضياء الدراجي

18‏/01‏/2014

خاصوا اهلنه بقلم الشاعر ضياء الدراجي


خلصوا اهلنه حدر الكبور
وانه بونيني مخلص أمتاني
اعض الساني بحركة مقهور
وأمسح دمعتي وضيمي جواني
يا هلي دمعاتي بعيني تفور
واساميكم ابد ما عافه الساني
الي معاتب وي الموت لمن يزور
ليش ياخذ احبابي والي عافاني
انه مابيه كلب وماعندي صبور
والحزن صار طبعي وصار نيشاني
*********************

بقلم  ضياء الدراجي

13‏/01‏/2014

اموت ولا يحكم نذلٌ عترتي للشاعر ضياء الدراجي

من صبري خار الليل نعسانا
واشرقت قبل الشمس كرامتي
اهب كالليث اناور  افنانا
وبينها التقط بخفةٍ فريستي
انا من لاوى الصخر طربانا
واسمعتُ صم الجبال صرختي
انا العراق والشجاعة معنانا
وكل الرجال تخشى غضبتي
فلول تستغل بخثبٍ مأسانا
وتريد بتطرفٍ ان تحكم ديرتي
كلا وبالله اقسم وبدمانا
اموت ولا يحكم نذلٌ عترتي
*************************
بقلم ضياء الدراجي

07‏/01‏/2014

للشاعر أ.ضياء الدراجي


مابين صرخة زعل مابين صيحة ضيم 
ناديت گلي قهر بجيت حتى الغيم
هذا عراقي انه الاغراب بيه تهيم
تگتل اصاله وأرث امارة تريد تقيم 
ولو قاتلت أبكل شرف طالبوا بالتقسيم 
*********
مع تحياتي 
ضياء الدراجي

06‏/01‏/2014

الشاعر ضياء الدراجي بمناسبة الذكري 93 لتأسيس الجيش العراقي البطل في السادس من كانون الثاني عام 1921‏

يا جيش بيك احتمي يا رفعة الراس
منصور دومك تظل  يا حامي الناس
لا داعش الهزتك لا عبوة لا خناس
تضرب عدوك ضربك ضربات بيها ساس
ساسك علي الوصي وابنه البطل عباس
*****************************
بقلم ضياء الدراجي 


05‏/01‏/2014

ليش وياي للشاعر ضياء الدراجي


رُحى حبكِ تطحنني
وريح غرامكِ تُذريني
بكِ الزمان يلكمني
وكفوف الحزن تُطرني
 أُشوى على نارٍ هادئةٍ
وأذوب بها لتشوني
أنا من غرس الهوى نابهُ
بين أضلاعي ليُبكيني
أنود كسكران يحوطني
ذكرى بالحب  تُؤذني
عسى ولعلَ وما خلت
دنيا من حبكِ تحميني
*************
عشكات هلوكت كلبي حطمنه
وللغدر عطر فايح  حط منه
من ظهره زاح حمله حطه منه
أوخلاه فوك ظهري أيذي بيه
************

بقلم ضياء الدراجي






03‏/01‏/2014

علم الغيب مختص بالله تعالى لقوله تعالى : ( فَقُلْ إِنّمَا الْغَيْبُ للهِ ) فكيف يدّعي الشيعة أنّ أهل البيت يعلمون الغيب ؟

إنّ علم الغيب مختص بالله تعالى لقوله تعالى : ( فَقُلْ إِنّمَا الْغَيْبُ للهِ ) فكيف يدّعي الشيعة أنّ أهل البيت يعلمون الغيب ؟

تمهيد :
لكي تتضح الصورة في هذه المسألة ، ينبغي أن نتوقّف قليلاً عند حقيقة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) للتعرّف على مقدار وحدود ونوع هذا العلم ، وما هي نوع العلاقة بين أهل البيت (عليهم السلام) وبين النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وهل توارث أهل البيت (عليهم السلام) علمهم من النبي (صلّى الله عليه وآله) أم لا ؟
وسوف نخوض في تحقيق هذه المعاني بشكل إجمالي مكتفين بالإشارة المفهمة ، التي من خلالها يمكن إيصال المطلوب ، وسيتجلّى إن شاء الله تعالى ، أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم ورثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في العلم اللدني الخاص من الله تعالى .



علم النبي (صلّى الله عليه وآله)
ولكي نصل إلى معرفة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ينبغي الإجابة على تساؤل مسبق ، يثار على ضفاف هذه المسألة يسهم في بناء الرؤية الفكرية الصحيحة حول العلم بالغيب .

والسؤال هو : ما هي حقيقة وجوهر علم النبي (صلّى الله عليه وآله) ؟

وفي مقام الجواب على ذلك نقول : 
إنّ علم النبي هو سنخ علم خاص يختلف عن علوم سائر البشر المتعارفة ، التي تسمّى بالاصطلاح العلمي بالعلوم الحصولية ، وقد سجّل القرآن الكريم هذه الحقيقة ، كما في قوله تعالى :

( وَعَلّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (1) إلى أن قال تعالى : ( قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلّمْتَنَا إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (2) ، ثم انعطف بتوجيه الخطاب إلى آدم (عليه السلام) ، فقال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، حيث نجد أنّ المشهد القرآني استبدل صيغة التعبير من ( التعليم ) الذي استخدمه مع آدم إلى التعبير ( بالإنباء ) الذي استخدمه مع الملائكة ، وتغيّر التعبير لم يكن بسبب التفنن الأدبي فحسب ، لأنّنا بإزاء كلام الله تعالى ، الذي وصفه في قرآنه بأنه : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (3) ، إذن التعبير بهذه الصيغة يحمل في طياته مغزى يتمثّل في أنّ ما حصل لآدم هو تعليم ، وأنّه (عليه السلام) كان فيه القابلية والاستعداد لتحمل هذا العلم الإلهي الذي لم يتحمله غيره ، أمّا الملائكة فلم يتجاوز تحمّلهم سوى الإنباء لهم بالواسطة ، لعدم استعدادهم لتلقّي الفيض من الله تعالى بالمباشرة ؛ لأنّ نشأتهم الوجودية لا تؤهّلهم لتعلّم ذلك العلم وحمله بتمامه وبالمباشرة ، وإنّما ما يمكنهم هو الإنباء والاطلاع على الواقعة بعد تمامها بالواسطة .

وتشير الآية المباركة الآنفة الذكر إلى نقطة بالغة الأهمية ، تتمثّل في موقع ومنزلة العلم الذي تعلّمه آدم (عليه السلام) ، فلأهمية وعظمة هذا العلم ؛ حاز (عليهم السلام) به الموقع الوجودي الذي أهّله ليكون مسجوداً للملائكة   ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ ) ، ولا يخفى أنّ لفظة الملائكة المحلاّة بالألف واللام تفيد العموم والشمول ، ولفظة كلّهم لزيادة التأكيد ، ثم عاد ليؤكّده بالمزيد في قوله تعالى :  ( أجمعون ) ممّا يفيد عدم تخلّف أحد من الملائكة في السجود إلى هذا الخليفة الإلهي الأرضي ؛ ولذا نجد الكثير من المفسرين ذهبوا لذلك ، كما يومئ إليه قول الفخر الرازي في تفسيره : ( قال الأكثرون إنّ جميع الملائكة مأمورون بالسجود لآدم )  (4) ثم ذكر الأدلة التي احتجّوا بها على رأيهم .



أفضلية نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) على سائر الأنبياء

اتفقت كلمة المسلمين على أفضلية نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) على بقيّة الأنبياء من أُولي العزم من الرسل وغيرهم من الأنبياء والمرسلين ، وجاء هذا الإجماع على ضوء أدلّة قرآنية وروائية ، منها قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّين مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏ وَعِيسَى‏ ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِيثَاقاً غَلِيظاً ) (5) فمع أنّ نبيّنا آخر النبيين مبعثاً ، إلاّ أنّ القرآن الكريم يقدّمه في أخذ الميثاق على نوح (عليه السلام) الذي هو أوّل أنبياء أُولي العزم ، ثم يأتي مَن يليه من أُولي العزم ، ولم يأتِ هذا التقديم جزافاً ؛ إذ لا موضع للجزاف في القرآن الكريم ، الذي هو كتاب الله وكلماته ، وقد ذكر الآلوسي في تفسير الآية قائلاً : ( تخصيصهم بالذكر مع اندراجهم في النبيين اندراجاً بيّناً للإيذان بمزيد مزيتهم وفضلهم وكونهم من مشاهير أرباب الشرائع ، واشتهر أنّهم أُولو العزم صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ، وأخرج البزاز عن أبي هريرة أنّهم خيار ولد آدم (عليه السلام) ثم أضاف : ( وتقديم نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) ثم أضاف : ( وتقديم نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) مع أنّه آخرهم بعثة للإيذان بمزيد خطره الجليل ، أو لتقدّمه في الخلق )  (6) .

والأحاديث المشهورة في هذا المضمار كثيرة ، لا سيّما الأحاديث التي تركز على حقيقة مهمّة ، وهي أنّ نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) هو أوّل مخلوق خلقه الله سبحانه وأنّه المصداق الأتم ، والتجسيد الأكمل للخلافة الإلهية ، وقد أشار الآلوسي لهذا المعنى بقوله : ( فهو عليه الصلاة والسلام الكامل المكمّل للخليقة ، والواسطة في الإفاضة عليهم على الحقيقة ، وكل مَن تقدّمه عصراً من الأنبياء وتأخّر عنه من الأقطاب والأولياء ، نوّاب عنه مستمدّون منه ) (7) .

وقد جاء في العديد من الروايات أنّه (صلّى الله عليه وآله) أفضل الأوّلين والآخرين ، ومن هنا نجد القرآن الكريم بيّن عظمة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في عدّة من آيات أخرى ، منها : قوله تعالى : ( لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سْكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (8) ، وقال القاضي عياض في ذيل هذه الآية : ( اتفق أهل التفسير في هذا أنّه قسم من الله جلّ جلاله بمدّة حياة محمد (صلّى الله عليه وآله) ... وهذه نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف ، قال ابن عباس : ما خلق الله تعالى وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد (صلّى الله عليه وآله) وما سمعت الله أقسم بحياة غيره ، وقال أبو الجوزاء : ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد (صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّه أكرم البرية عنده ) (9) .

وقد تضافرت الروايات في هذا المعنى :

منها : ما جاء عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا سيّد ولد آدم ولا فخر ، وأوّل مَن تنشق عنه الأرض ، وأوّل شافع وأوّل مشفّع ) (10) .

ومنها : ما روته عائشة عنه (صلّى الله عليه وآله) قال : ( أتاني جبرائيل فقال : قلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أرَ رجلاً أفضل من محمد ، ولم أرَ بني أب أفضل من بني هاشم ) (11) .

ومنها : ما ورد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ، وأوّل مَن ينشق عنه القبر ، وأوّل شافع وأوّل مشفّع ) (12) .

ونحوها من الروايات التي تؤكّد وتثبت أفضلية نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) على سائر الأنبياء (عليهم السلام) ، وهذه الحقيقة ممّا لا خلاف فيها بين المسلمين ، فهي محل اتفاق الجميع .

الرسول (صلّى الله عليه وآله) أعلم الأنبياء على الإطلاق
اتضح ممّا تقدم آنفاً أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أفضل الأولين والآخرين ، وأفضل الأنبياء على الإطلاق ، فمن البديهي أن يكون (صلّى الله عليه وآله) أعلم الأنبياء جميعاً ؛ وإلاّ فلا يكون هناك معنى للأفضلية والقرب والرفعة والمقام المحمود عند الله تعالى .

وقد تبيّن أنّ علم الأنبياء والمرسلين سيما نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) هو سنخ علم خاص ليس من العلم الاكتسابي المتعارف عند سائر الناس ، كما هو الحال في علم التلميذ الذي يأخذ علمه من المعلم ، فعلم الأنبياء هو علم يلقيه الله سبحانه في قلب مَن يشاء ، وهو مفاد قوله تعالى : ( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَاهُ مِن لدُنّا عِلْماً ) (13) وكذلك العلم الذي أفاضه تعالى على آدم (عليه السلام) وألقاه في قلبه مرة واحدة ، بقوله تعالى : ( وَعَلّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلّهَا ) (14) .

إذن علم الأنبياء هو علم خاص يلقيه الله تعالى في قلب مَن يشاء . وعلى هامش هذا المعنى تنبثق إثارة أخرى ، محصّلها : هل الأنبياء يعلمون الغيب أم لا ؟

الأنبياء يعلمون الغيب
إنّ المتأمّل في هذه الإثارة يجد أنّ منشأها من قِبَل البعض الذين يجمدون على ظواهر بعض الآيات القرآنية ، التي تنفي العلم للغيب لغير الله تعالى ، كقوله تعالى : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ) (15) ، وكذا قوله تعالى : ( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ ) (16) وقوله تعالى : ( قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السّوءُ ) (17) .

إلاّ أنّ الملاحظة التي تستدعي الالتفات ، والتي غفل عنها أصحاب الشبهة ، وأخذوا ينظرون إلى القرآن بعين واحدة ، هي أنّ القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً ، فقد ورد في آية واحدة بيان شافٍ لذلك ، وهو قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى‏ كُلّ شَي‏ءٍ عَدَداً ) (18) نعم ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ ) (19) .

إذن على ضوء هذه الآية المباركة ( إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رّسُولٍ ) يتضح تخصيص الأنبياء والرسل المرضيين عند الله تعالى ، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم ، بأنّ الله تعالى أوصى إلى الأنبياء والرسل وأطلعهم على الغيب :   ( إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى‏ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسى‏ وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُود زَبُوراً ) (20)   .

مضافاً إلى ما صرّحت به الروايات من اطلاع الأنبياء على الغيب ، وبعبارة أخرى : إنّ الآيات التي تنفي بظاهرها علم الغيب عن الأنبياء واختصاصه بالله تعالى ، إنّما يكون المقصود منها هو نفي علم الغيب من الأنبياء بالاستقلال والأصالة ومن دون الإذن الإلهي ، وليست هذه الآيات في مقام نفي العلم بالغيب عن الأنبياء إذا كان بنحو التبعية والتعليم من قِبل الله وبإيحاء منه تعالى ، كما قال تعالى حكاية عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) : ( لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ ) (21) ، مضافاً لحكم العقل القاضي باستلزام موقع الخلافة الإحاطة والعلم بكلّ شيء .

إذن لا إشكال في علم الأنبياء بالمغيبات إذا كان بإذن الله تعالى ، وإليك جملة من الشواهد القرآنية على ذلك :



شواهد من علم الأنبياء بالغيب

ثمّة عدد من النصوص الأخرى القرآنية التي تشهد على علم الأنبياء بالغيب ، منها :

1 ـ ما قاله وبيّنه نبي الله صالح لقوله ، كما في قوله تعالى : ( فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ )  (22)   .

2 ـ كلام نبي الله عيسى (عليه السلام) وأخباره لبني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون ، كما في قوله تعالى: ( وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (23) .

3 ـ ما ورد في القرآن من مواعيد الأنبياء بالملاحم والإخبار بالغيب ، وقد وقع ذلك كلّه كوعيد نوح بحدوث الطوفان ، وإنذار هود وشعيب ولوط بوقوع العذاب ، وغير ذلك .



إخبار نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) بالغيب

ونجد في هذا الحقل إخبارات غيبية كثيرة ، سطّرها القرآن الكريم منها :

1 ـ إخباره (صلّى الله عليه وآله) بانهزام الفرس على يد الروم ، كما في قوله تعالى : ( الم * غُلِبَتِ الرّومُ * فِي أَدْنَى‏ الأَرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ‏ِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) (24) .

2 ـ إخباره لأصحابه بأنّهم سيدخلون المسجد الحرام في مكة ، كما في قوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ ) (25) ، وقد تحقق الأمر بذلك الدخول كما أخبر به الله تعالى ، ورسوله (صلّى الله عليه وآله) .
3 ـ ما أخبر به (صلّى الله عليه وآله) بالغيب في مقام التحدّي وإعجاز القرآن ، وأنّه لم يستطع أحد أن يأتي ولو بسورة واحدة ، كما قال تعالى :   ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ )   (26) ، وكذا قوله تعالى :   ( فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ) (27)   .

4 ـ إخباره بالفتوحات والمغانم الكثيرة ، كما في قوله تعالى : ( وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ) (28) .

5 ـ إخباره تعالى أنّه يحفظ نبيّه من أذى المنافقين ، كما في قوله تعالى : ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (29) . هذا وإن كان إخبار بالغيب من قِبل الله تعالى على لسان رسوله (صلّى الله عليه وآله) ولكن ذلك لا ينافي أن يكون النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يعلم الغيب بالتبع عن طريق إعلام الله تعالى له .



علم أهل البيت (عليهم السلام)

بعد أن تبيّن أنّ علم الأنبياء (عليهم السلام) هو سنخ علم خاص يتلقّاه النبي من الله تعالى سواء أكان عن طريق الإلهام أم التلقين ، ينبغي الالتفات إلى أنّ الله سبحانه وتعالى هو العالم وحده بالاستقلال ولا يشاركه غيره ، نعم قد يفيض الله تعالى من علمه على بعض المخلوقات كالأنبياء (عليهم السلام) على وفق حكمته تعالى ، ومَن ثمّ قد تتفاوت درجات إفاضة هذا العلم من قِبله تعالى حسب ما تقتضيه حكمته . وعلى هذا الأساس نقول : إنّ الله تعالى خصّ أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً بهذا النوع من العلم ؛ لكونهم ورثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهم الثقل والعِدْل الآخر للقرآن الكريم ، وسوف نلج في هذا المبحث من خلال بوّابة العقل ، وبوّابة القرآن الكريم ، والروايات الخاصة بذلك وبعض الشواهد الأخرى .



الدليل العقلي على علم الإمام

بما أنّه ثبت في محلّه أنّ الأئمّة (عليهم السلام) خلفاء الله في أرضه ، ومقام الخلافة الإلهية في الأرض هو سنخ مقام لحكم الله في أرضه ، وهو ما تسجّله الأبحاث التفسيرية على هدي قوله تعالى : ( إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (30) ومن هنا نجد الآلوسي يقول : ( ومعنى كونه خليفة أنّه خليفة الله تعالى في أرضه ، وكذا كل نبي ، استخلفهم في عمارة الأرض وسياسة الناس ، وتكميل نفوسهم ، وتنفيذ أمره فيهم لا لحاجة به تعالى ، ولكن لقصور المستخلف عليه ؛ لما أنّه في غاية الكدورة والظلمة والجسمانية ، وذاته تعالى في غاية التقدس ، والمناسبة شرط في قبول الفيض على ما جرت به العادة الإلهية ، فلابدّ من متوسّط ذي جهتي تجرّد وتعلّق ؛ ليستفيض من جهة ويفيض بأخرى ) (31) .

إذن تبيّن أنّ الخليفة موجود أرضي له بعدان : أحدهما روحي ، والآخر معنوي وبشري يؤهّله للنهوض بدوره في العالم ليمثّل سلطان الله في أرضه ، وعلى هذا الأساس فلابدّ من أن يتمتع بمواصفات ومزايا خاصة ، فينبغي أن يكون أعلم ممّا سواه ليمثّل علم الله تعالى ، وأن يكون قادراً على تحمّل منصب الخلافة في القدرة والسمع والبصر الإلهي على هذه الأرض ، ومن هنا نجد نصوصاً روائيةً وافرةً تشهد على أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) لهم هذه القدرة بإذن الله تعالى .

ففي الحديث ، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : ( هل ترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم وإنّي لأراكم من وراء ظهري ) (32) .

وقد ذكر ابن حبان: ( بأنّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) كان يرى من خلفه كما يرى بين يديه فرقاً بينه وبين أُمّته ) (33) .

ولا غرابة في ذلك ، كما يحدثنا القرآن عن كثير من الأنبياء بامتلاكهم مثل هذه القدرة ، فهذا نبي الله عيسى (عليه السلام) له قدرة على الخلق وإحياء البشر وشفاء المرضى ، قال تعالى : ( وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى‏ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِن رَبّكُمْ أَنّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى‏ بِإِذْنِ اللهِ ) (34) .

ومن هنا نجد أنّ ابن كثير يقول في تفسيره في ذيل الآية : ( وكذلك كان يفعل : يصوّر من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه ، فيطير عياناً بإذن الله عزّ وجلّ الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنّ الله أرسله ) (35) .
وقد جاء في روايات الخلفاء الاثني عشر ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ولا ريب أنّ مَن يعمل بالهدى لا بد أن يكون على علم خاص من الله سبحانه وتعالى ، وإلاّ فوقوعه في الخطأ لا شك فيه .

إذن تبيّن أنّ الإمام ( الخليفة ) لابدّ أن يتوفّر على علم خاص منه تعالى ليؤهّله لأداء مسؤوليته وتمثيله في الأرض .



الأدلة القرآنية على علم الإمام

نستعرض فيما يلي جملة من الآيات القرآنية الواردة بشأن اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بنوع خاص من العلم يختلف عن علم سائر الناس .

الدليل الأوّل :

قوله تعالى : ( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لنَفْسِهِ وَمِنْهُم مّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (36) وتقريب الاستدلال بهذه الآية يتطلّب منّا أن نمكث قليلاً لمعرفة حقيقة الوراثة القرآنية واختلافها عن الوراثة الترابية ( المادية ) ، لا سيّما مع ملاحظة أنّ أوّل ما يطالعنا القرآن به من الوراثة هي وراثة الإمامة المستمرّة إلى يوم القيامة التي نلمسها بوضوح من خلال دعوة النبي إبراهيم لذرّيته .

دعوة النبي إبراهيم لذرّيته

إنّ منصب الإمامة وما يمثّله من حالة تكاملية للإنسان الذي يعد من أرقى درجات التكامل الإنساني ، شاء الله تعالى بلطفه وكرمه وفضله على الأنبياء ، أن يجعل من ذريتهم أئمة وهداة يؤدون الواجب الإلهي تكريماً لهم ونعمة ومنة منه تعالى على أنبيائه (عليهم السلام) .

وفي الوقت نفسه كان هذا التكريم يمثّل رغبة وأمنية من أمنيات الأنبياء ، تفصح عن حالة فطرية عند الإنسان في الرغبة والبقاء والاستمرار من خلال ذريته الصالحة ، وهذا بحث اجتماعي مهم يرتبط بدراسة علاقة الإنسان بذريته وشعوره بالبقاء من خلالها .

فالقضية إذاً ترتبط بكلا الجانبين : الجانب الإلهي ، وهو تعالى الجواد المتفضّل على أنبيائه المجيب لدعائهم ، والجانب الإنساني العبودي المتمثّل بهؤلاء الأنبياء الذين أخلصوا لله تعالى في العبودية .

وهذا ما نشاهده واضحاً على لسان نبي الله إبراهيم (عليه السلام) الذي هو شيخ الأنبياء ، عندما امتحنه الله تعالى ، ونجح في ذلك الابتلاء والاختبار ، كان أوّل شيء طلبه من الله تعالى هو أن تكون هذه الإمامة التي حمّله الله مسؤوليتها ، أن تكون في ذرّيته أيضاً ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (37) ، وكذا وقوله تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّا إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيّتِنَا أُمّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنّكَ أَنْتَ التّوّابُ الرّحِيمُ ) (38) حيث طلبا من الله تعالى في البداية قبول هذا العمل العظيم ، ثم دعيا أيضاً أن يشرك معهما في إسلامهما لله عزّ وجلّ ذريتهما من المسلمين المهتدين المقبولين لديه ،  ولم يقتصرا على ذلك وإنّما طلبا من الله تعالى أن تكون هذه الذرية ذرية تتحمّل مسؤولية النبوّة والرسالة أيضاً ، كما بيّنته الآية الشريفة ، حيث جاء فيها :  ( رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )   .

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : ( فَهَبْ لِي مِن لّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي ) .

ولذلك نلاحظ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يفتخر ويقول : ( أنّا دعوة إبراهيم ) (39) أي في جعله من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ، وأنّه الرسول الذي يتلو الآيات ، ويعلّم الناس الكتاب والحكمة ويزكّيهم .



الإمامة في الذرّية سنّة قرآنية

عندما نرجع إلى القرآن ومفاهيمه وتصويره لحركة الأنبياء والرسالات الإلهية ، نجد أنّ هذا التكريم الإلهي للأنبياء ، وهو أن يجعل من ذريتهم أنبياء وأئمّة يقومون بالواجب الإلهي ، فصار ذلك سنّة من السنن الإلهية الواضحة في تاريخ الرسالات والأنبياء ، كما في قوله تعالى : ( وَتِلْكَ حُجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى‏ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَات مَن نَشَاءُ إِنّ رَبّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (40) .
حيث يشير القرآن الكريم في الآيات المباركة إلى هذه السنّة التاريخية وتعميمها لتشمل الآباء والإخوان ، كما في قوله تعالى ومن آبائهم وذريتهم وإخوانهم ، وكذلك ما ورد في سورة مريم عندما تحدث القرآن عن عدد من الأنبياء ، وهم إبراهيم وبعض ذريته ، وإدريس من قبل إبراهيم ، وبعد ذلك يذكر القانون العام في الذرية   ( أُولئِكَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النّبِيّينَ مِن ذُرّيّةِ آدَمَ وَمِمّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمنِ خَرّوا سُجّداً وَبُكِيّاً )   (41) ، ويشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى عندما يتحدث عن نوح وإبراهيم ، وأنّه تعالى جعل في ذريّتهما النبوّة ، قال تعالى :   ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِمَا النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )   (42) .

وغيرها من الموارد الكثيرة التي لا يسع المجال لاستعراضها .

وبعد أن اتضح أنّ هذه سنّة إلهية تحكم مسيرة وحركة الأنبياء ، ويبرز لنا عنوان آخر في عدد من الآيات القرآنية ، ولعلّه يعد السبب الرئيس من وراء جعل هذه السنّة في حركة الأنبياء وكونهم من ذرية واحدة ، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم في مناسبات متعددة ، ذلك هو الاصطفاء والاجتباء .



ما هو الاصطفاء ؟

الاصطفاء لغة هو الاختيار والاجتباء ، فمعنى اصطفاهم أي جعلهم صفوة خلقه ، كما في قوله تعالى لموسى (عليه السلام) :  ( قَالَ يَا مُوسَى‏ إِنّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى الْنّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ )   (43)   ، وقال في إبراهيم (عليه السلام) :   ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبصَارِ * إِنّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ * وَإِنّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ )   (44) ، فالاصطفاء يمثّل ظاهرة واضحة في حركة الأنبياء ، كما جاء ذلك أيضاً في قوله تعالى :   ( إِنّ اللهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (45) ، فنلاحظ أنّ الله تعالى اصطفى آدم اصطفاءً واختياراً خاصاً ثم اختار نوحاً ، ثم اختار إبراهيم وآل إبراهيم ثم عمران ، وآل عمران مضافاً إلى تأكيد القرآن الكريم . إنّ هذا الاختيار والاصطفاء ليس أمراً واقفاً على هذه الأسماء وهذه الجماعات ، وإنّما هي قضية ذات امتداد في هذه الذرية   ( ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) .



الاصطفاء والعدالة الإلهية

إنّ اصطفاء واختيار الله تعالى للأنبياء ، إنّما جاء وفقاً للعدالة الإلهية ووفقاً لقوله تعالى : ( وَأَن ليْسَ للإنسان إِلاّ مَا سَعَى ) (46) و ( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (47) إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالالتفات ، هي أنّ الكيفية والآلية التي اختارهم الله عزّ وجلّ على أساسها ، إنّما جاءت نتيجة علمه تعالى بأن هؤلاء الأنبياء مطيعون له طاعة لا نظير لها دون غيرهم ، ويمتلكون إرادة واستعداداً خاصاً لتحمّل المسؤولية ، والفناء في ذات الله تعالى وإرادته ، بحيث يعجز غيرهم عن الوصول لما وصلوا إليه .

إذن ، لعلمه تعالى السابق بهم وبكفاءتهم في تحمّل المسؤولية اصطفاهم واختارهم دون غيرهم من الناس ؛ لأنّه تعالى يعلم بأفعال المكلّفين قبل حصولها ؛ ولا ينافي ذلك اختيارهم كما هو واضح .

وعلى هذا الأساس ، فإنّ الله تعالى ، بعد علمه السابق بهم ، وأنّهم يفوقون غيرهم ، سوف يوليهم عناية خاصة لكي يكونوا قادرين على تحقيق ما كانوا مستعدين لتحقيقه .

ولا ريب أنّ هذا المنطق هو منطق عقلائي ، يمارسه العقلاء في حياتهم ، ألا ترى لو وجد بين طلاب مدرسة ، طالب يمتاز بنبوغ عال ، فهل من العدالة والإنصاف أن يترك مع بقية الطلبة ، ويعامل بمستواهم العلمي الذي يقلّ عن مستواه بمراتب ؟ طبعاً لا ، وإنّما من العدالة أن يحضى برعاية استثنائية ، ويُوفّر له من الإمكانيات ما يجعله قادراً على الإنتاج وتحقيق الغايات المرجوة من نبوغه بحسب قابليته ، بل لو كان لديك أولاد ، وكان لأحدهم نبوغ وكفاءة ، فالمنطق العقلائي يُحتم عليك أن توفّر وتهيّئ له الظروف وتهتم به وترعاه ، ومن الظلم له أن تتركه وتساويه مع غيره في العناية ؛ لأنّ قوام العدل وأساسه ليس التساوي ، وإنّما هو إعطاء كل ذي حق حقّه ، فمن حق الذي تتوفّر فيه القابلية والكفاءة أن تهيّئ له ما يستلزم استثمار كفاءته واستعداده .
وعلى ضوء هذا نجد أنّ الله تعالى أولى عناية خاصة بالأنبياء والمرسلين ، لعلمه السابق تعالى بهم وبقابليتهم على طاعته بتلك الدرجة دون غيرهم ، بل نجد الآن في علم الهندسة الوراثية أنّهم يدرسون جينة الشخص ؛ ليتمكنوا من تشخيص قابلياته ، ومعرفة كفاءته واستعداده ليضعوه في الموضع المناسب ، وأنّه هل له قدرة على القيادة والعطاء أم لا ؟ وهذا هو منهج الاصطفاء .



الذرية الصالحة للأنبياء عناية إلهية

من الواضح أنّ الوراثة والأبوّة والجدودة من الأمور التي لها نوع تأثير ومدخلية على تركيبة وشخصية الإنسان ومزاجه ، بما ينسجم مع عالم الدنيا المادي الذي نعيش فيه ؛ ولذلك شاء الله تعالى لهؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمة الذين اصطفاهم واختارهم أن يجعلهم من ذرية صالحة وأرحام مطهّرة ، وهذا ما نلمسه في روايات متضافرة في هذا الصدد .



تقلّبهم في الأرحام المطهّرة

وهو ما يسمّى بأخبار الطينة والأصلاب المطهّرة ، فقد أخرج بن مردويه عن ابن عباس ، قال : سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقلت : بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ فتبسّم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ( إنّي كنت في صلبه وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، فقذفت في النار في صلب أبي إبراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة ، مصفّى مهذباً ، لا تتشعب شُعبتان إلاّ كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوّة ميثاقي ، وبالإسلام هداني ، وبيّن في التوراة والإنجيل ذكري ، وبيّن كل شيء من صفتي في شرق الأرض وغربها ، وعلّمني كتابه في سمائه ، وشق لي من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر ، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع ، ثم أخرجني في خير قرون أُمّتي ، وأُمّتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )   (48) .

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : ( ما بال أقوام ينتقصون عليّاً ، مَن تنقّص عليّاً فقد تنقّصني ، ومَن فارق عليّاً فقد فارقني وإنّ عليّاً منّي وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ، ذريّة بعضها من بعض ، والله سميع عليهم ) (49) .

وعن رسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال : ( خُلقت أنا وهارون ابن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ) (50) .



أبعاد أُخرى

إذن ظاهرة اختيار واصطفاء الأنبياء والمرسلين والأئمّة ، وجعلهم في ذرية واحدة ، لا ينحصر أثرها في عناية الله تعالى بهم وجعلهم في أصلاب وأرحام مطهّرة فحسب ، وإنّما نجد لهذه الظاهرة أبعاداً وأهدافاً أخرى ذات أهمية فائقة ، منها :   

أوّلاً : البعد التاريخي

وهذا واضح كما في اختيار الله تعالى أوصياء الأنبياء ، حيث نجد أنّ اختياره تعالى للأوصياء يتركّز على أولئك المقرّبين للأنبياء من أقاربهم أو ذراريهم ممّن يرتبطون بالنبي أو الرسول القائد ارتباطاً نسبياً ، كما في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِمَا النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ ) (51) وغيرها من الآيات (52) .

ثانياً : البعد الرسالي

ونقصد بذلك ما يترتّب على الذرية الصالحة للأنبياء من تحقيق مصالح الرسالة ، وإعداد الأفراد المؤهّلين للقيام بمهامّها وتحمّل أعبائها الثقيلة ؛ وذلك لأنّ عُمر الرسول ـ عادة ـ يكون أقصر من عمر الرسالة ، ومن ثمّ يحتاج إلى مَن يقوم بتحمّل أعبائها ومسؤولياتها ، وهذا إنّما يحتاج إلى إعداد يتناسب مع طبيعة وحكم هذه الأعباء والمسؤوليات الضخمة ، ولا ريب أنّ الإعداد الأفضل والأكمل لا يتم إلاّ في داخل البيت الرسالي ، ومن الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة الذين لم يروا النور إلاّ في كنفه وفي إطار تربيته ، دون غيرهم من الأفراد الذين يفتقرون إلى الكفاءة والاستعداد ، وإن كانوا من نفس ذرية النبي (صلّى الله عليه وآله) ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (53) .

ما هي حقيقة وراثة الأنبياء ؟

على ضوء ما سلف آنفاً يتضح أنّ وراثة الأنبياء أعم من الوراثة المتعارفة ، فهي شاملة لوراثة العلم والنور والملك ، ومن هنا نجد الفخر ، الرازي يفسّر آية ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (54) على أنّها أعمّ من وراثة النبوّة والمال حيث قال : ( ... الله تعالى جعل سبب الإرث فيمن يرث الموت على شرائط ، وليس كذلك النبوّة ؛ لأنّ الموت لا يكون سبباً لنبوة الولد فمن هذا الوجه يفترقان ، وذلك لا يمنع من أن يوصف بأنّه ورث النبوة لما قام به عند موته ، كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته ) ، ثم ذكر وجوهاً عديدة لشمول الإرث للمال والنبوّة والمقامات الرسالية ، إلى أن قال : ( فبطل بما ذكرنا قول مَن زعم أنّه لم يرث إلاّ المال ) (55) .

فمن أبرز ما يورث في أُسرة التوحيد بين الأنبياء والمرسلين والأئمّة هو العلم ، ولا يخفى ما في العلم من فضل ومزية ، ولذا فإنّ الفخر الرازي في ذيل الآية المباركة : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ للهِ‏ِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَى‏ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) (56) ، قال : ( في الآية دليل على علوّ مرتبة العلم ؛ لأنّهما أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما ، ... إن تلك الفضيلة ليست إلاّ ذلك العلم ) (57) .

وبهذا يتبيّن أنّ الأنبياء والمرسلين والأئمّة وراثتهم نورية ، فضلاً عن الوراثة المتعارفة ، وأن أبرز شيء متوارث فيما بينهم هو العلم والنبوة والحكمة ، كما في قوله تعالى :   ( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا )    قال الثعلبي في مراثي المجالس في آية   ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد ) : ( يعني نبوّته وحكمته وملكه ) .



أهل البيت (عليهم السلام) ورثة الأنبياء

وحيث إنّ أهل البيت (عليهم السلام) من تلك الشجرة المباركة ، ومن أسرة التوحيد ، ومن تلك الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة المصطفاة المجتباة المتمثّلة بالأنبياء والمرسلين ، وعلى رأسهم سيّدهم وأفضلهم نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) ، فهم (عليهم السلام) ورثة الأنبياء وممّن اصطفاهم واختارهم واجتباهم الله سبحانه وتعالى لسابق علمه بطاعتهم وحبّهم وفنائهم في ذات الله تعالى .

وإليك نموذجاً من الشواهد الروائية المؤكّدة لوراثة أهل البيت (عليهم السلام) للأنبياء :



1 ـ الإمام علي وذرّيته (عليهم السلام) وارثو رسول الله

ففي المناقب للخوارزمي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عند المؤاخاة أنّه قال : ( والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ووارثي ، فقال : يا رسول الله ما أرث منك ؟ قال : ما ورثت الأنبياء ، قال : وما أورثت الأنبياء قبلك ؟ قال : كتاب الله وسنة نبيّهم ) (58) .

وفي ينابيع المودّة ، عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( يا علي أنت أخي ووارثي ووصيي ، محبّك محبّي ، ومبغضك مبغضي ، يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ، يا علي أنا وأنت والأئمّة من ولدك سادات في الدنيا وملوك في الآخرة ، مَن عرفنا فقد عرف الله عزّ وجلّ ، ومَن أنكرنا فقد أنكر الله عزّوجلّ )  (59) .

وعن أبي ذر (رضي الله عنه) أنّه قال :

( أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ، إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ، محمد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد ، إنّه شرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد ، ووارث علمه ، أيّتها الأمة المتحيّرة بعد نبيها ! أما لو قدّمتم مَن قدّم الله ، وأخّرتم مَن أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ، ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، إلاّ وجدتم على ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا وبال أمركم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) (60) .

2 ـ الأنبياء يقرّون بولاية على وذرّيته (عليهم السلام)

أخرج الحاكم الحسكاني في شواهده : ( إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ليلة أُسري به جمع الله تعالى بينه وبين الأنبياء ، ثم قال : سلهم يا محمد على ماذا بُعثتم ؟ [ فسألهم ] فقالوا : بُعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله ، وعلى الإقرار بنبوّتك ، والولاية لعلي بن أبي طالب ) (61) .

وأخرج أيضاً عن أنس أنّه قال : ( قلنا لسلمان : سل النبي مَن وصيّه فقال له سلمان : يا رسول الله مَن وصيّك ، قال : ( يا سلمان مَن كان وصيّ موسى ؟ فقال : يوشع بن نون . قال : فإنّ وصيّي ووارثي يقضي ديني وينجز موعودي علي بن أبي طالب ) (62) .

وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : ( إنّ الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذرّيته فلا تذهب بكم الأباطيل ) (63) ، ونحوها من الروايات الكثيرة .

وهذه الروايات فيها دلالة صريحة على وراثة الإمام علي وأهل البيت (عليهم السلام) لعلم النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، ومن الواضح أنّ إقرار الأنبياء بولاية الإمام علي (عليه السلام) يستلزم كونه حامل علم الأنبياء (عليهم السلام) وإلاّ فلا معنى لكونه وليّاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) .



3 ـ أهل البيت (عليهم السلام) ورثة الكتاب

لقد وردت جملة من الروايات تؤكّد على أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم ورثة الكتاب الكريم .

منها : ما أخرجه السيوطي في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال : ( هم أهل بيت طهّرهم الله من السوء واختصهم برحمته ، قال : وحدّث الضحاك بن مزاحم أنّ نبي الله (صلّى الله عليه وآله) كان يقول : نحن أهل بيت طهّرهم الله ، من شجرة النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم ) (64) .

ومنها : ما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهده ، عن الحرث ، قال سألت أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عن هذه الآية: ( فَسْأَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ ) قال : ( والله إنّا أهل الذكر ، ونحن أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل ، وقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَن أراد العلم فليأت من بابه ) (65) .

ومنها : ما ورد عن عبد الله بن أعين قال : سمعت جعفر الصادق (عليهم السلام) يقول : ( قد ولدني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنا أعلم كتاب الله ، وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنة وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما يكون ، وأنا أعلم ذلك كلّه كأنّما أنظر إلى كفّي ، وأنّ الله يقول : ( تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) ويقول تعالى : ( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) فنحن الذين اصطفانا الله جلّ شأنه ، وأورثنا هذا الكتاب ، فيه تبيان لكل شيء ) (66) .

ومنها : ما جاء عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال :  ( لا يقاس بآل محمد صلّى الله عليه من هذه الأمة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله )   (67)  .

ومنها : ما في ينابيع المودّة عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : ( ونحن مستودع مواريث الأنبياء ... ونحن العلم المرفوع للحق ) (68) .

وغيرها من الروايات التي لا يسع المجال لذكرها ، ولا يخفى ما في دلالتها على أنّ أهل البيت (عليهم السلام) ورثة علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ومن هنا نجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يؤكّد على بيان منزلة أهل البيت وفضلهم في الأُمّة ، كما في قوله (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّ الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذرّيّته فلا تذهبنّ بكم الأباطيل ) (69) .



أعلميّة أهل البيت في القرآن الكريم

من الأدلة القرآنية على أعلمية أهل البيت (عليهم السلام) مضافاً إلى ما تقدّم :

قوله تعالى : ( كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (70) .

ففي هذه الآية المباركة يبيّن الله تعالى لرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كيفية الإجابة والمحاججة مع الكفّار الذين ينكرون نبوّته ورسالته ، بقوله تعالى :   ( وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) حيث لقّن الله تعالى نبيّه (صلّى الله عليه وآله) في مقام إثبات نبوّته بأن يستشهد بشهادتين :

الشهادة الأُولى : وهي شهادة الله تعالى : ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وأنّه تعالى هو الذي أوحى إليه القرآن الكريم ، وأنّه معجزة خالدة ، وهذه شهادة إلهية عظيمة لا تعدلها شهادة ، ولا يضر معها جحود هؤلاء الكافرين .

الشهادة الثانية : شهادة من عنده علم الكتاب: ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فجعل شهادة الذي عنده علم الكتاب لإثبات رسالته وصحّة دعوته ، وكفى بهذه الشهادة كرامة وفضلاً ، لاقترانها بشهادة الله تعالى .

ولكي نقف على عظمة هذه الشهادة ينبغي التعرّف على حقيقة علم الكتاب :



حقيقة علم الكتاب

لمعرفة حقيقة علم الكتاب ينبغي أن نقف متأمّلين قليلاً عند قوله تعالى : ( قَالَ يَا أَيّهَا الملأ أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مّنَ الْجِنّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مّقَامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِينٌ * قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنّ رَبّي غَنِيّ كَرِيمٌ ) (71) .
فإنّ هذه الآية المباركة تبيّن أنّ وصي سليمان (عليه السلام) كان عنده بعض علم الكتاب وليس علم الكتاب كلّه ، كما هو واضح من قوله :   ( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ منَ الْكِتَابِ )  حيث إنّ ( من ) في الآية الكريمة تبعيضية ، أي عنده بعض علم الكتاب ، وبهذا البعض من العلم من الكتاب كان لوصي سليمان ( آصف بن برخيا ) القدرة على الإتيان بعرش بلقيس من سبأ في اليمن إلى بيت المقدس في أقل من طرفة عين ، فكيف بمَن عنده علم الكتاب كلّه ؟!



حدود علم الكتاب

وُصِف الكتاب في القرآن الكريم بأنّه يحتوي على كل شيء ، قال تعالى : ( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (72) .

وكلمه ( شيء ) في الآية مفهوم مطلق لا يوجد أعم منه ، فلا يخرج من هذا التعميم مخلوق من الأزل إلى الأبد ، لا سيّما مع ملاحظة أنذ الشيء في الآية جاء مشفوعاً بكلمة ( كل ) التي تؤكّد العموم ، إذن الكتاب بيان لكل شيء .

ومن البديهي أنّ هذا الضرب من العلم بالكتاب الذي تشير إليه الآية الكريمة آنفة الذكر : ( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ ) والآية المباركة : ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب ) (73) أنّ هذا العلم ليس هو العلم المتعارف بين الناس المسمّى بالعلم الحصولي ، بل هو سنخ آخر من العلم ميزته أنّ لصاحبه القدرة على التصرّف بنظام التكوين ، وبواسطته استطاع وصي سليمان ـ الذي عنده علم من الكتاب ـ أن يأتي بعرش بلقيس من سبأ إلى بيت المقدس في أقلّ من طرفة عين .



مَن الذي عنده علم الكتاب ؟

استفاضت الروايات ، واحتشدت دلالاتها على أنّ المراد بمَن عنده علم الكتاب في الآية : ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب ) أنّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقد جاءت هذه الشواهد الروائية بألسنة مختلفة ملتقية في نقطة واحدة ، وهي أنّ الذي عنده علم الكتاب في الآية هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، منها :



الإمام علي (عليه السلام) أحصى علم كلّ شيء

1 ـ أخرج القندوزي في ينابيع المودّة بسنده عن الحسين بن علي (عليه السلام) : لما نزلت هذه الآية : ( وَكُلّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) قالوا يا رسول الله هو التوراة أو الإنجيل أو القرآن ؟ قال : ( لا ، فأقبل أبي (عليه السلام) فقال (صلّى الله عليه وآله) : هذا هو الإمام الذي أحصى الله فيه علم كل شيء ) (74) .

2 ـ أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، في هذا المجال ستة أحاديث عن ابن عباس ، وأبي صالح ، والإمام الباقر (عليه السلام) ومحمد بن الحنفية ، وأبي سعيد الخدري ، نكتفي بنقل حديث واحد منها ، وهو ما جاء عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : ( سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن قول الله تعالى : ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب ) (75) .
3 ـ أخرج أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره حديثين ، الأول عن ابن عبد الله بن عطاء أنّه قال : ( كنتُ جالساً مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالساً في ناحية ، فقلت : لأبي جعفر : زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام ، فقال : إنّما ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والثاني ؛ عن أبي عمر زاذان ، عن أبن الحنفية : (  ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ، قال : هو علي بن أبي طالب ) (76) .

4 ـ أخرج القرطبي في تفسيره ، عن عبد الله بن عطاء أنّه قال : ( قلت : لأبي جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام ، فقال : ( إنّما ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وكذلك قال محمد بن الحنفية ) (77) .

5 ـ أخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه ( ما نزل من القرآن في علي (عليه السلام) ، عن إسماعيل بن سليمان : عن [محمّد] بن الحنفية في قوله عزّ وجلّ : ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال : ( هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ) (78) .

6 ـ قال الآلوسي في تفسيره : ( قال محمد بن الحنفية ، والباقر كما في البحر : المراد بـ ( من ) ، علي (كرّم الله تعالى وجهه) ، الظاهر أنّ المراد بالكتاب حينئذٍ القرآن ، ولعمري إنّ عنده (رضي الله عنه) علم  الكتاب كملاً )  (79) ! .

7 ـ ابن مردويه (80) روى في كتابه ( مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال : ( هو علي بن أبي طالب ) (81) .



اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بعلم الكتاب

بعد أن اتضح أنّ الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمقتضى الروايات الآنفة الذكر ، فهنالك عدّة آيات قرآنية تشير إلى اختصاص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) علم الكتاب فضلاً عن الروايات الصحيحة ، ومن جملة هذه الآيات ما يلي :

أولاً : قوله تعالى : ( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) (82) ، وقوله تعالى : ( مَا فَرّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْ‏ءٍ ) ، حيث دلّت هاتان الآيتان على أنّ القرآن فيه تبيان كل شيء ، ثم إنّنا لو سألنا القرآن الكريم عن سبب وجود الاختلافات الكثيرة بين المسلمين مع أنّ القرآن الكريم موجود بين أيديهم ؟ لأجابنا بأنّ هذا الكتاب الذي فيه تبيان لكل شيء يحمله ثلّة مطهّرة من الأمة ، وهم الثقل الآخر للقرآن الكريم بتعبير حديث الثقلين وهو : ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ) وهذا الحديث متواتر سنداً ومضموناً ، وصريح من حيث الدلالة على أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم الثقل الآخر في الأمة ، وأنّهم عِدل للقرآن ، وهذا المعنى يلتقي مع قوله تعالى ـ الذي يدلنا على مكان وموضع علم الكتاب ـ   ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظّالِمُونَ )   (83)   ولم يدّعِ أحد من المسلمين أنّه عنده علم ما في القرآن إلاّ هم (عليهم السلام) لا يفترقون عنه إلى قيام الساعة ، فقد ورد عن عمر أنّه قال : ( سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقرأ قوله تعالى :  ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ )   ، وسمعته يقول :   ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) ، وقد أثبتنا أنّ الذي عنده علم الكتاب هو الإمام علي وولده (عليهم السلام) وهذه دلالة واضحة على أنّ المراد بـ   ( صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) هم أهل بيت النبي (عليهم السلام) وفي مقدّمتهم أمير المؤمنين (عليه السلام).

ثانياً : قوله تعالى : ( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) .

ولأجل أن نتفهّم الآية المباركة ينبغي بيان مقدّمة تساهم في الوصول إلى المطلوب : وملخّص هذه المقدّمة : هي أنّ لكلّ شيء أربعة وجودات :

الوجود الأوّل : وهو الوجود الكتبي مثل كتابة ( زيد ) .

الوجود الثاني : الوجود اللفظي كما لو تلفّظنا بكلمة ( زيد ) فقط .

الوجود الثالث : الوجود الذهبي كوجود صورة زيد في ذهننا .
الوجود الرابع : الوجود الخارجي وهو وجود زيد حقيقة في الخارج .

والقرآن الكريم لا يخرج عن هذه الحقيقة التكوينية ، فهو له أربعة وجودات أيضاً ، فوجوده اللفظي هو القرآن المصوت به ، وكذا له وجود كتبي وهو هذه النسخة الشريفة الموجودة والتي لها أحكام شرعية خاصة بها .

ووجوده الذهني الذي هو عبارة عن تدبّر معانيه السامية ، والتأمّل فيها ، وهي ما دعانا الباري تعالى إلى التدبّر والتأمّل فيها .

ووجوده الخارجي هو نفس حقيقة القرآن الكريم ، وهي التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى : ( لَوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) ، فتصدع الجبل لا يحصل بوجود القرآن اللفظي أو الكتبي بتلاوته أو كتابته أو وضعه على الجبل ، ولا بوجود القرآن الذهني بل تصدّع الجبل فيما إذا نزلت حقيقة القرآن الخارجية على الجبل ، وهذا هو ما نصّت عليه الآية المباركة .

وبعد أن اتضحت هذه المقدمة وهي أنّ للقرآن حقيقة خارجية تكوينية سامية ، فإنّ هذه الحقيقة لا يمكن أن يصل إليها إلاّ المطهّرون ، كما في قوله تعالى : ( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) ومعنى ( مكنون ) أي محفوظ ؛ ولذا قال الراغب الأصفهاني في مفرداته في معنى قوله تعالى: ( ( لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) أي لا يبلغ حقائق معرفته إلاّ مَن طهّر نفسه وتنقّى من درن الفساد ) (84) .

مَن هم المطهّرون ؟

لقد بادر القرآن الكريم لبيان ماهية وحقيقة المطهّرين ، وأنّهم أهل البيت (عليهم السلام) ، قال تعالى : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقد بيّن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في روايات متضافرة بأنّ المطهّرين هم أهل بيته (عليهم السلام) ، ومن هذه الروايات :

1 ـ ما ورد عن عبد الله بن جعفر لمّا نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الرحمة هابطة قال : ( ادعوا لي ، ادعوا لي ، فقالت  صفية : مَن ؟ قال (صلّى الله عليه وآله) : أهل بيتي : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال : اللّهمّ هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد ، وأنزل الله عزّ وجلّ ، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) ، [قال الحاكم] : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين ، أنّه علّمهم الصلاة على أهل بيته كما علّمهم الصلاة على آله ) (85) .

2 ـ ما ورد عن أبي سلمة : فدعا حسناً وحسيناً ، وفاطمة ، فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال : ( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (86) .

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره قال : ( ... حدثنا شداد بن عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، وعنده قوم فذكروا عليّاً رضي الله عنه فشتموه ، فشتمته معهم ، فلمّا قاموا قال لي شتمت هذا الرجل ؟ قلت : قد شتموه فشتمته معهم ، ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟ قلت : بلى ، قال : أتيت فاطمة رضي الله عنها أسألها عن علي رضي الله عنه ، فقالت توجّه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فجلست أنتظره ، حتى جاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه علي وحسن وحسين رضي الله عنهم آخذاً كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً رضي الله عنهما كل واحد منهما على فخذه ثم لفّ عليهم ثوبه ، أو قال : كساءه ، ثم تلى (صلّى الله عليه وآله) هذه الآية   ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً )  ، وقال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق ) (87)  .

3 ـ وعنه أيضاً في رواية أخرى عن أُمّ سلمة قالت : ( فأخذ (صلّى الله عليه وآله) فضل الكساء فغطاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت ـ أم سلمة ـ : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت وأنا معكم يا رسول الله ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله) : إنّك إلى خير ، إنك إلى خير ) (88) .

4 ـ وفي رواية ثالثة عنها أيضاً قالت : ( فلمّا رآهم مقبلين مدّ (صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم) يده إلى كساء كان على منامه ، فمدّه وبسطه ، وأجلسهم عليهم ، ثم أخذ بأطرف الكساء الأربعة بشماله فضمّه فوق رؤوسهم وأومأ به بيده اليمنى إلى ربّه ، فقال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (89) .

5 ـ وفي رواية رابعة كذلك قالت : ( ... فاجتمعوا فجلّلهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بكساء كان عليه ثم قال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت ، فقلت : يا رسول الله وأنا ؟ قالت : فو الله ما أنعم ، وقال : إنّك إلى خير ) (90) .

6 ـ وفي رواية خامسة عن أُمّ سلمة أيضاً : ( ... بينما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بيتي يوماً ، إذ قالت : الخادم إنّ فاطمة وعلياً بالسدة ، قالت: فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : قومي فتنحّي عن أهل بيتي ) (91) .

7 ـ وفي رواية سادسة عن أم سلمة : ( قالت : إنّ هذه الآية نزلت في بيتي ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت يا رسول الله : ألست من أهل البيت ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله) : إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي ... ) (92) .

وهذه الروايات وغيرها صريحة في الدلالة على أنّ المراد بأهل البيت هم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسين (عليهم السلام) .

وممّا يزيد هذه الحقيقة تأكيداً ـ وهي أنّ أهل البيت (عليهم السلام) لديهم علم وحقيقة القرآن ـ قوله تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه خطب الناس قائلاً :  ( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى . إنّ الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (93)  .

إذن تبيّن من هذه الروايات أنّ علم الكتاب إنّما هو عند أهل البيت (عليهم السلام) بفضل الله تعالى واصطفائه لهم .



الروايات الخاصة في علم أهل البيت (عليهم السلام)

وأمّا على صعيد البحث الروائي فقد تواترت الروايات المؤكِّدة على أعلمية أهل البيت (عليهم السلام) ، فضلاً عن كونهم ورثة النبي (عليهم السلام) ، منها :

1 ـ علم الأنبياء عند أهل البيت (عليهم السلام) :

أخرج القندوزي الحنفي في الينابيع ، عن عمر بن أذينة عن جعفر الصادق (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين : ( ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم (عليه السلام) من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلّت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة خاتم النبيّين ) (94) .

2 ـ علم الكتاب كلّه عند أهل البيت (عليهم السلام) :

أخرج القندوزي الحنفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : ( علم الكتاب والله عندنا ، وما أُعطي وزير سليمان بن داود ، إنّما عنده حرف واحد من الاسم الأعظم ، وعلم بعض الكتاب كان عنده ... وقال في علي (عليه السلام) ومن عنده علم الكتاب ) (95) ، وعن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال : ( ألا وإنّا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا )  (96)  .

3 ـ أُعطي أهل البيت سبعاً لم يعطها أحد قبلهم

أخرج ابن المغازلي عن علي (عليه السلام) قال : ( قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أُعطينا أهل البيت سبعةً لم يُعطَها أحدٌ قبلنا ، ولا يُعطاها أحدٌ بعدنا : الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم ... ) (97) .

4 ـ الإمام علي (عليه السلام) عيبة علم الرسول (صلّى الله عليه وآله)

أخرج ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن ابن عباس قال : ( علي عيبة علمي ) (98) .

5 ـ الإمام علي (عليه السلام) يعلم ظاهر القرآن وباطنه

أخرج القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة عن ابن مسعود أنّه قال : ( نزل القرآن على سبعة أحرف له ظهر وبطن ، وأنّ عليّاً (عليه السلام) علم القرآن ظاهره وباطنه ) (99) .

هل أنّ أهل البيت (عليهم السلام) يعلمون الغيب ؟

إنّ جدلية العلم بالغيب من قبل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) من الجدليات التي اتخذها المناوئون ذريعة للنيل من مذهب الشيعة الاثني عشرية ، وهذه الجدلية قائمة على مغالطة واضحة .



وجه المغالطة

محصّل ومنشأ هذه المغالطة وجود بعض الآيات القرآنية التي تنفي علم الغيب عن الأنبياء ، كما في الآية الكريمة : ( مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ) (100) وكذا قوله تعالى : ( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ ) ، وقوله تعالى : ( قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السّوءُ ) (101) .

إذن على ضوء هذه الآيات يتبين عدم اطّلاع الأنبياء مطلقاً على الغيب ، وأنّ علم الغيب مختص بالله تعالى .

والمغالطة المخبوءة في هذا الاستدلال هو أنّ المستدل بالآيات على نفي علم الغيب عن الأنبياء كما تقدّم اقتصر على بعض الآيات ، بل في آية واحدة اقتصر على صدر الآية وطرح ذيلها ، مع أنّ هذا الأسلوب من التعامل مع القرآن الكريم من الوقوف على آية واحدة فقط ، أو صدر آية وطرح ذيلها ، أو غض النظر عن الآيات الأخرى أسلوب يخالف حتى أسلوب المحاورات العرفية ؛ فإنّ المتكلم لا يصح نسبة الكلام إليه إلاّ بعد ملاحظة مجموع كلامه ، ولبيان ذلك نقول :

إنّ صدر الآية وإن كان يحكي قول النبي (صلّى الله عليه وآله) بأنّه لا يعلم الغيب ، إلاّ أنّه ورد في ذيلها استثناء ـ وهو الذي أغفله المستشكل ـ وهو قوله تعالى : ( إِلاّ مَا يُوحَى‏ إِلَيّ ) ، فالنبي (صلّى الله عليه وآله) يريد القول بأنّ علم بالغيب بنحو الاستقلال مختص بالله تعالى ولا يشاركه أحد في ذلك قط ، بل يستحيل أن يشاركه فيه أحد ، ولكن قد يفيض الله تعالى من علوم الغيب على بعض عباده كالأنبياء والمرسلين والأئمّة (عليهم السلام) ، ولا ينافي ذلك كونهم (عليهم السلام) مخلوقين ، فقراء إلى الله تعالى ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلاّ ما شاء الله ، وهذا لا ينافي استقلاله تعالى بعلم الغيب ، وهذا ما تكفلت ببيانه آيات كثيرة منها :

1 ـ قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رّسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (102) .

2 ـ قوله تعالى : ( إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى‏ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسى‏ وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُود زَبُوراً ) (103) ، وقوله تعالى : ( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى‏ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ ) (104) ، وقوله تعالى : ( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ ) (105) ، وغيرها هذه الآيات ممّا يشاركها في هذا المعنى ، من هنا قال الآلوسي في تفسيره للآية المباركة   ( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللهُ )   (106) : ( لعلّ الحق أن يقال إنّ نفي علم الغيب عن غيره جلّ وعلا ، هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته لهم ، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شيء ، وإنّما هو من الواجب عزّ وجلّ إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه ، فلا يقال إنّهم علموا بالغيب بذلك المعنى [ يعني الاستقلال ] ، فإنّ ذلك كفرٌ ، بل يقال إنّهم أظهروا وأطلعوا على الغيب )(107)  .

وهذا المعنى يلتقي مع ما أثر عن أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال : ( يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنّا فلا نعلم ) (108) وهو عين معنى الآية ، هي قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (109) ولا شك أنّ الرسول هو المرتضى ، وأهل البيت (عليهم السلام) ورثته .

وحاصل ما تقدّم :

إنّ الآيات الدالة على اختصاص علم الغيب به سبحانه ، هو ما يليق بساحة الواجب الذي لا يشاركه فيه أحد ، وهو العلم الذاتي بالاستقلال والأصالة ، بل هذا النوع من العلم يمتنع أن يشاركه أحد فيه ؛ لاستلزامه الشرك وتعدد الواجب الغني ، فإطلاع غير الله تعالى إنما يكون بالتبع ، نظير قوله تعالى : ( اللهُ يَتَوَفّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (110) الذي يكون ظاهراً في أنّ التوفّي منحصر بالله تعالى ، مع أنّه تعالى أسنده إلى ملك الموت في موارد ، وإلى رسله في موارد أخرى ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ يَتَوَفّاكُم مَلَكُ الْمَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ ثُمّ إِلَى‏ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (111) ، وقوله تعالى : ( تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا ) (112) .

إذن لا إشكال في علم النبي (صلّى الله عليه وآله) بالغيب بإذن الله تعالى وفضله ، بل هنالك موارد لا يمكن التغاضي والتغافل عنها ، كالتي أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بعضها بما يتعلّق بالمغيّبات ، كما تقدّمت الإشارة إليه .



أهل البيت (عليهم السلام) يعلمون الغيب

بعد أن تبيّن أنّ المراد بعلم الغيب الممتنع هو العلم بالأصالة والاستقلال ، وهو خاص بالله تعالى ، وأمّا العلم بالغيب بإذن الله تعالى وبمشيئته وبإفاضته على من يرتضيه فلا إشكال فيه ، يثبت على هذا الأساس أن النبي (صلّى الله عليه وآله) إنّما يعلم الغيب بإذن الله تعالى ومشيئته .

وعلى ضوء ما تقدّم من أنّ أهل البيت هم ورثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ كما أشرنا إليه ـ يثبت علمهم (عليهم السلام) بالغيب بإنباء الرسول (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، وقد ورد في الأثر إخبار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالغيب في مواطن متعددة ، منها :

أوّلاً : إخباره (عليه السلام) بقتل ( ذي الثدية ) من الخوارج وعدم عبور الخوارج النهر ، بعد أن قيل له قد عبروا (113) .

ثانياً : إخباره بمقتل ولده الحسين (عليه السلام) لما اجتاز أرض كربلاء ، حيث بكى (عليه السلام) وقال : ( هاهنا ناخ ركابهم وهاهنا موضع رحالهم وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) (114) .

ثالثاً : قوله (عليه السلام) قبل قتاله الفرق الثلاث : ( أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ) والمقصود من هؤلاء هم أصحاب الجمل وأصحاب معاوية وخوارج النهروان ، الذين قاتلهم في الجمل وصفين والنهروان ، فقاتلهم (عليه السلام) وكان الأمر كما أخبر به (عليه السلام) (115) .

رابعاً : إخباره بملك معاوية من بعده ، وإخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص لحرب البصرة ، وإخباره بمَن يقتل من أصحابه أو يصلب ، وإخباره عن مقتل عبد الله بن الزبير ، وإخباره عن هلاك أهل   البصرة بالغرق ، وإخباره عن النفس الزكية ونحوها (116) .

خامساً : قال الحافظ الجويني في فرائد السمطين : ( الإمام الثامن [ علي بن موسى الرضا ] مظهر خفيات الأسرار ، ومبرز خبيات الأمور ... والواقف على غوامض السر المكتوم والمخبر بما هو آتٍ وعمّا غبر ومضى والمرضي عند الله ... ) (117) .



هل الاعتقاد بعلم النبي وأهل بيته بالغيب غلو ؟

عرّفوا الغلو : بأنّه مجاوزة الحد ، يقال غلا فلان في الدين غلوّاً تشدّد حتى تجاوز الحد (118) ، وكل مَن تجاوز حد الاعتدال وغلا ، يصح لُغوياً تسميته بالمتطرّف ، جاء في المعجم الوسيط في معنى تطرف ( تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط ) (119) .

وقد عرّف ابن تيمية الغلو شرعاً ( بأنّه مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمّه على ما يستحق ) (120) .

وجاء في فتح الباري : ( إذ إنّ الغلو هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد ) (121) .

وبذلك تبين أنّ الغلو هو تجاوز الحد الذي حدده الله تعالى ورسوله للشيء ، فالمغالي هو الذي يتجاوز ما حدده الله ورسوله لذلك الشيء اتّباعاً للهوى ، وخروجاً عن الحق إلى الباطل ، بحيث يصفه بوصف لم يسبق أن يصفه الله ورسوله به من غير دليلٍ عقلي عليه .

وعلى ضوء ما سلف هل يمكن إطلاق الغلو على مَن قال : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أخبر بالمغيبات كما تقدم إثبات ذلك ؟ وهل من الغلو أنّه (صلّى الله عليه وآله) أعلم وأفضل الأنبياء السابقين ؟ وهل من الغلو أن نقول : إنّ الله تعالى اصطفاه واختاره ؟

وهل من الغلو أن نقول : إنّ علم أهل البيت من علم النبي (صلّى الله عليه وآله) ورّثهم إيّاه كما ثبت ذلك في جملة من الروايات المتضافرة ؟



هل تعظيم الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته من الغلو ؟

ولكي تكون الإجابة واضحة بعيدة عن الملابسات ، ينبغي أن نعرض هذا السؤال على الشريعة الإسلامية :

وبدءاً نقول : إنّ الذي نلمسه من الشريعة هو أنّه ليس كل تعظيم وإكبار واحترام يكون تأليهاً للشخص المعظّم ، وغالباً ما نجد أنّ الأمر بتعظيم واحترام هذه المخلوقات مشفوع ببيان السبب من وراء ذلك التعظيم ، وهو أنّ نفس الإعظام والإكبار بأمر من الله لمخلوق معين هو طاعة لله تعالى وتعظيم له ، ومَن استكبر وأبى ورفض تعظيم مَن أمر الله تعالى بتعظيمه يُعدّ عصياناً لله تعالى وإنكاراً عليه .

وهذا ما يتجلّى واضحاً من أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم ، فهو إعظام لآدم بأمر منه تعالى ، وحاشا لله تعالى أن يشرك أحداً في كبريائه .
إذن إعظام الملائكة لآدم إنّما هو إعظام لله تعالى ؛ لأنّه متسبّب عن أمره تعالى ، ولذا نجد أنّ الله جعل مصير إبليس مرهوناً بإعظام آدم والسجود له ، فرفض إبليس لإعظام آدم يعدّ استكباراً على الله تعالى ، كما هو صريح قوله تعالى :  (   وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (122) .

وهذا الأمر يكشف عن حقيقة مهمّة جدّاً على صعيد العقيدة أو الإيمان ، وهي أنّ تعظيم أولياء الله تعالى يعتبر طاعة وامتثالاً لأوامر الله عزّ وجلّ ، وما إبليس إلاّ مثل ضربة الله تعالى للذين ينكرون ذلك ؛ إذ لم يكن عصيان إبليس لربّه إنكاراً لتوحيده تعالى .

ومن هنا فإنّ الروايات المختلفة لدى الشيعة والسنّة تشير إلى أنّ كفر إبليس لم يكن كفر شرك كما تقدم ؛ لأنّه لم يعبد غير الله ، وإنّما كان جحوده واستكباره على الله عزّ وجلّ في توحيده في مقام الطاعة ، وقد ورد في بعض الروايات أنّه طلب من الله تعالى إعفاءه السجود لآدم (عليه السلام) ، وسوف يعبده لا نظير لها ، وكان الجواب من الحق تعالى هو : ( إنّي أُحب أن أطاع من حيث أريد ) (123) ، وفي رواية أخرى : ( إنّما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تُريد ) (124) .

ومن موارد أمر الله تعالى بتعظيم مخلوقاته ، أمره تعالى بتعظيم النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ورد ذلك في آيات عديدة :
منها : قوله تعالى :  (    لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً  ) (125) ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : تُعَزّروه : تجُلوه ، وقال المبرد : تُعزّروه : تبالغوا في تعظيمه  (126) .

ومنها : قوله تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * إِنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتّقْوَى‏ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) (127) .

وليست هذه الأوامر من الله تعالى إلاّ لبيان وجوب احترام النبي (صلّى الله عليه وآله) وتعظيمه ، وقد نقل القاضي عياض أنّ هذه الآية نزلت في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبي (صلّى الله عليه وآله) واختلاف جرى بينهما ، حتى ارتفعت أصواتهما (128) ، فهنا يأمر الله تعالى بوجوب إعظام النبي (صلّى الله عليه وآله) وتوقيره ، وأن ترك الأدب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يؤدّي إلى حبط العمل ، والخروج عن ربقة الإيمان ؛ ولذا ورد عن الفريقين أنّ الشاتم للنبي (صلّى الله عليه وآله) أو الذي يستهزئ به (صلّى الله عليه وآله) يقتل ، ويحكم عليه بالكفر .

ومنها : قوله تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللهَ إِنّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (129) وهذه الآية صريحة في وجوب التعظيم والخضوع بين يدي الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) .

ومنها : قوله تعالى : ( لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً ) ونقل القاضي عياض أنّ معنى ذلك : أن لا تسابقوه بالكلام ، وتُغلظوا له بالخطاب ، ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم بعضاً ، ولكن عظّموه ووقّروه بأشرف ما يحب أن ينادى به : يا رسول الله ، يا نبي الله (130) .

وقد بلغ الأمر في شدّة تعظيم الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من أهل البيت (عليهم السلام) أنّ مالك بن أنس قال : ( لقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق ، وكان كثير الدعابة والتبسّم ، فإذا ذكر عنده النبي (صلّى الله عليه وآله) اصفرّ ، وما رأيته يحدث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلاّ على طهارة ، وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال : إمّا مصلّياً ، وإمّا صامتاً ، وإمّا يقرأ القرآن ، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ) (131) ، وكان مالك نفسه إذا ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله) يتغيّر لونه (132) ، إلى غير ذلك من إعظام المسلمين للنبي (صلّى الله عليه وآله) والتبرّك به بما لا يسع المقام ذكره .



تعظيم أهل البيت (عليهم السلام) جذره قرآني

إنّ التعظيم الإلهي لأهل البيت (عليهم السلام) يمكن أن نلمسه من خلال عدّة إضاءات قرآنية في آيات متعددة كما في آية المباهلة التي أمر الله تعالى نبيّه فيها بأن يباهل النصارى بهؤلاء الخمسة ، فهم (عليهم السلام) شركاء للنبي (صلّى الله عليه وآله) في إثبات أحقّية وصدق رسالته (صلّى الله عليه وآله) ، وكذا آية التطهير :   ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وآية المودّة :   ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ )    ونحوها .

إذن القرآن الكريم يعظم هؤلاء النخبة من البشر وهم الأئمّة المطهّرون .

فضلاً عن الروايات الكثيرة التي تعظّم أهل البيت (عليهم السلام) وتأمر المسلمين بذلك ، وإليك بعضها :

منها : قوله (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّي تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ) (133) . ومن الواضح أن تكراره (صلّى الله عليه وآله) من قول : ( أذكّركم في أهل بيتي ) ثلاث مرات يدل بوضوح على وجوب تعظيمهم (عليهم السلام) .

ومنها : ما أخرجه الخوارزمي في مناقبه عن أُمّ سلمة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لها : ( قومي فافتحي له الباب ، فقالت : يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي ، وقد نزلت فيّ آية في كتاب الله بالأمس ؟ فقال لها كالمغضب : إنّ طاعة الرسول طاعة [الله] ومَن عصى الرسول فقد عصى [الله] إنّ بالباب رجلاً ليس بالنزق ولا بالخرق ، يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت له الباب ، فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة وصرت إلى خدري استأذن فدخل ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أتعرفينه ؟ قلت : نعم ، هذا علي بن أبي طالب ، قال : صدقت ، سحنته من سحنتي ، ولحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، اسمعي واشهدي )  (134) .

ومنها : قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) : ( فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم ، وإنّي سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني أن يردوا عليّ الحوض كهاتين ، وأشار بالمسبحتين ، ناصرهما إليّ ناصر ، وخاذلهما إليّ خاذل ، ووليهما إليّ والي ، وعدوهما لي عدو)(135) .

ومنها : قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : (من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً ) (136) .

ومنها : قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإنّي أخاصمكم عنهم غداً ، ومَن أكن خصمه أخصمه ، ومَن أخصمه دخل النار ) (137) .

ومنها : عن ابن عمر قال : كان آخر ما تكلّم به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( اخلفوني في أهل بيتي ) (138) .

ومنها : ما ورد في شرح نهج البلاغة عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال : ( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى ، إنّ الأئمّة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (139) .

ومنها : ما أخرجه الحاكم الحسكاني أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) خطب الناس حين قُتل علي (عليه السلام) ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( وساق كلامه عليه السلام إلى أن قال : أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم ، فقال لنبيّه : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت ) (140) .

ولا يخفى ما في هذه الروايات من دلالة واضحة وصريحة على عظمة ومكانة أهل البيت (عليهم السلام) ووجوب تعظيمهم وإكرامهم وتوقيرهم .



فلسفة هذا التعظيم

عند التأمّل في السرّ الذي يكمن وراء أمر الله بتعظيم بعض مخلوقاته ، وما هي الحقيقة التي تنضوي تحت هذا الأمر ؛ نجد أنّ هذا الأدب يصب في دائرة التوحيد ، بحيث إنّ الاعتقاد بالنبي والإمام وتوقيرهما وتعظيمها هو إعظام لله تعالى ، وتوحيد له عزّ وجلّ ، وهو عين طاعة الله تعالى وتوحيده ؛ لأنّه نابع عن الانقياد للأوامر الإلهية ، وهذا بنفسه يعد دليلاً عقلياً على وجوب إعظام الأنبياء لا سيّما خاصتهم ، وهو نبيّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) بحدود ما أمرنا به الله تعالى .

ومن هنا نجد أنّ استكبار إبليس ـ كما مرّ سابقاً ـ وعدم سجوده لآدم (عليه السلام) كان سبباً لخروجه من رحمة الله ، وموجباً لكفره ، قال تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (141) فعدم إعظامه واحترامه لآدم (عليه السلام) كان موجباً لحبط عمله وخروجه من رِبقة الإيمان بالله تعالى إلى الكفر .

وممّا تقدّم يتحصّل أنّ تعظيم النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته بما وصفهم الباري عزّ وجلّ ليس من الغلو بشيء ، بل يُعدّ امتثالاً لما أمرنا به الله ورسوله .



أهل البيت (عليهم السلام) وظاهرة الغلو

لقد واجه أهل البيت (عليهم السلام) ظاهرة الغلو بقوّة وشدّة ، وعبّأوا كل إمكاناتهم وقدراتهم من أجل تقويض أركان الغلو ، معتبرين الغلو أحد أقسام الكفر الذي يجب محاربته ، ومحذّرين شيعتهم وأتباعهم من مغبّة الانخراط في مخاطر العقيدة الفاسدة ، وقد ورد في هذا السياق جملة من الأخبار منها :

ما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : ( إيّاكم والغلو ، فإنّما أهلك مَن كان قبلكم الغلو في الدين ) (142) .

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : ( بُني الكفر على أربع دعائم : الفسق والغلو والشك والشبهة ) (143) .

كذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : ( لعن الله مَن قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، لعن الله مَن أزالنا من العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا ) (144) .

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ، قال : ( احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدّعون الربوبية لعباد الله ، والله إنّ الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس الذين أشركوا ) (145) .



موقف علماء الشيعة من الغلاة

أمّا موقف ورأي علماء الشيعة في الغلاة ، فقد كان موقفاً ورأياً مستمدّاً من بيانات أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث كان موقفاً يتّسم بالشدّة والرفض لمثل هذه الظواهر الفاسدة .

فعلى سبيل المثال نجد الشيخ المفيد وسم الغلاة بالكفّار الضلاّل ، حيث قال : ( والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيته إلى الألوهية والنبوّة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد ، وخرصوا عن القصد ، وهم ضلاّل كفّار حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم   بالكفر والخروج عن الإسلام ) (146) .

وقد وصف الشيخ الصدوق الغلاة بأنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس ، حيث قال : ( اعتقادنا في الغلاة والمفوضية أنّهم كفّار بالله تعالى ، وإنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ، ومن جميع أهل البدع والأهواء المعتلّة ) (147) .

أمّا الشيخ كاشف الغطاء فقد برّأ الأئمّة (عليهم السلام) والشيعة من هؤلاء الغلاة ، حيث قال : ( أمّا الشيعة الإمامية وأئمّتهم فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم ) (148) ، وقال أيضاً ( أما الشيعة الإمامية ... ويبرأون من تلك الفرق المقالات ويعدّونها من أشنع [ إشكالات ] الكفر والضلالات ، وليس دينهم إلاّ التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق ) (149) .



الخلاصة

1 ـ اتضح أنّ حقيقة وجوهر علم النبي (صلّى الله عليه وآله) سنخ علم خاص يفترق عن علوم سائر البشر التي تسمّى بالعلوم الحصولية .

وقد سجل القرآن الكريم هذه الحقيقة إلى جوار حقيقة أخرى ، شاطرت الروايات الشريفة القرآن في النصّ عليها ، وهي أفضلية نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) على كل الأنبياء ، وأنّه أعلمهم على الإطلاق .

2 ـ وقد اتضح أيضاً أنّ علم الغيب وإن كان منحصراً بالله تعالى إلاّ أنّ هناك آيات عديدة تصرّح بأنّ الله تعالى يفيض هذا العلم على مَن ارتضى من عباده المنتجبين ، وعلى هذا الأسس يتضح أنّ علم الله بالغيب بنحو الاستقلال لا يشاركه فيه غيره ، أمّا علم الأنبياء فهو بالتبع ، أي بإرادة الله تعالى وعطائه لهم ، وقد تقدّمت عدّة شواهد قرآنية وروائية دلّت على علم الأنبياء بالغيب .

3 ـ كذلك ثبت أنّ علم أهل البيت (عليهم السلام) امتداد لعلوم النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأنّهم ورثته بروايات متضافرة ، فتكون حقيقة علمهم (عليهم السلام) هي من سنخ علم النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وهو سنخ علم إفاضي خاص يفيضه الله تعالى على بعض عباده .

4 ـ ثبت أنّ الإمام هو خليفة الله تعالى في الأرض ، فلابد أن يتوفّر على علم خاص يؤهّله لأداء مسؤوليته ، وتمثيل الله تعالى في الأرض .

5 ـ يتجلّى في عدة من الآيات أنّ علم الكتاب إرث للمصطفين المنتجبين من الله تعالى ، ولا ريب أنّ أهل البيت (عليهم السلام) ورثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهم الذين اصطفاهم واختارهم .

وإنّ هذه الوراثة أعمّ من كونه وراثة مادية ، أو وراثة نورية جعلها الله تعالى في صلب الأنبياء ، كما في قوله تعالى :

( أُولئِكَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النّبِيّينَ مِن ذُرّيّةِ آدَمَ وَمِمّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمنِ خَرّوا سُجّداً وَبُكِيّاً ) (150) .

6 ـ إنّ الاصطفاء والاختيار الإلهي إنّما جاء وفقاً للعدالة الإلهية ، ووفقاً لقوله تعالى :   ( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (151) ، والسبب في ذلك هو أنّ الاصطفاء والاختيار ناشئ من علمه تعالى بحقائق الأشياء ، وأنّ علمه محيط بكل شيء ، فالله تعالى لعلمه السابق بما للمصطفين من قدرة على تحمّل المسؤولية ، وإرادتهم لذلك وانصهارهم في ذات الله تعالى ، اختارهم الله تعالى دون غيرهم من الناس ، وهذا منطق عقلائي يمارسه العقلاء في حياتهم اليومية .

7 ـ إنّ الذرية من الآباء والأجداد من الأمور التي لها مدخلية وتأثير على شخصية الإنسان ومزاجه ، ولذا شاء الله تعالى أن يجعل هؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمّة المصطفين من ذرّية واحدة ، من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة ، وهذا ما نلمسه من أخبار الطينة الواردة في كتب الفريقين .

وذكرنا أنّ لظاهرة الاختيار والاصطفاء وجعلهم في ذرّية واحدة أبعاداً مهمة لها أثر كبير في حفظ الرسالة ، منها :

البعد التاريخي : حيث نجد أنّ اختيار الله للأوصياء يتركّز على أولئك المقرّبين للأنبياء من أقاربهم أو ذرّياتهم ، أو ممّن يرتبطون بالنبي والرسول ارتباطاً نَسَبيّاً .

البعد الرسالي : وهو ما يترتّب على الذرّية من تحقيق مصالح الرسالة ، وإعداد أفراد صالحين يتحمّلون أعباءها الثقيلة ؛ وذلك لأنّ عمر الرسول يكون أقصر من عمر الرسالة ، فتحتاج لمَن يقوم بأعبائها ومسؤولياتها ، وممّا لا شك فيه أنّ الإعداد الأفضل لا يتم إلاّ في داخل البيت الرسالي ومن الأفراد المقرّبين نَسَبيّاً من صاحب الرسالة .

8 ـ إنّ أهل البيت هم ورثة الأنبياء ، واستدللنا على ذلك بأدلة متعددة .

9 ـ أثبتنا في الجواب عن هذه الشبهة أعلمية أهل البيت (عليهم السلام) على سائر البشر ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (152) ، ولا شك أنّ المراد بمَن عنده علم الكتاب هو ( الإمام علي بن أبي طالب ) كما في الروايات الواردة من طرق الفريقين .

10 ـ قلنا إنّ حقيقة علم الكتاب عبارة عن سنخ علم خاص ، يمنح لصاحبه القدرة على التصرّف في الكون كما في تصرّف آصف بن برخيا ، حيث تمكّن من نقل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس بأقل من طرفة عين ، مع أنّه لم يكن عنده إلاّ بعض علم الكتاب ، كما هو مقتضى نص الآية المباركة : ( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (153) .

11 ـ بيّنا أيضاً اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بعلم الكتاب ، وهو ما تشير إليه بعض الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (154) ، وقوله تعالى : ( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) (155) ، فالقرآن فيه تبيان كل شيء يحمله ثلّة مطهّرة من الأُمّة ، وهم أهل البيت (عليهم السلام) ، كما هو مقتضى حديث الثقلين .

مضافاً لقوله تعالى : ( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) (156) ، وهذا يدلّنا على حقيقة مهمة وهي أنّ حقيقة وكنه القرآن لا يمكن أن يصلها إلاّ المطهّرون ، وهم أهل البيت (عليهم السلام) كما هو مقتضى جملة وافرة من الروايات .



أهل البيت (عليهم السلام) وعلمهم بالغيب

ذكرنا أنّ المراد بعلم الغيب هو علم خاص بالله تعالى بالأصالة والاستقلال ، ولا مانع من إفاضته على غيره من عباده فيعلمون الغيب بإرادته ومشيئته تعالى ، وهنالك روايات عديدة تشهد على أنّ أهل البيت أخبروا ببعض المغيّبات .

قلنا إنّ الغلو هو مجاوزة الحدّ الذي حدّد الله تعالى ورسوله ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن إطلاق الغلو على مَن يعتقد أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت يعلمون الغيب بإذن الله تعالى وتبعاً لإرادته ؛ لأنّه لا يعدّ تجاوزاً لحدود الله تعالى ، بل موافقاً لها طبقاً للآيات والروايات .



هل التعظيم للرسول (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته غلو ؟

اتضح أنّ تعظيم الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ليس من الغلو ؛ لأنّ احترام وتعظيم رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام) لا يعدّ تجاوزاً لحدود الله تعالى أبداً ؛ وذلك لأنّه تعالى هو الذي أمرنا بتعظيم رسوله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته بنصّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة .

أمّا فلسفة هذا التعظيم ، فهو أنّ الاحترام والتعظيم يعدّ من الأدب مع هذه الثلّة الطاهرة ، وتركه مع أمر الله به يوجب الكفر ، كما هو الحال بالنسبة لإبليس حيث أدّى به استكباره ، وعدم تعظيمه لنبي الله آدم (عليه السلام) ـ بعد الأمر الله بتعظيمه والسجود له ـ إلى حبط أعماله وخروجه من رِبقة الإيمان بالله تعالى .

هذا وقد واجه أهل البيت (عليهم السلام) ظاهرة الغلو بشدّة وقوّة وعبّأوا جهدهم من أجل تقويض أركانه ، معتبرين الغلو أحد أقسام الكفر الذي يجب محاربته ، وفي هذا المقام يوجد عدد وافر من الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام) في التشديد والإنكار لهذه الظاهرة .

ووقف علماء الشيعة موقفاً صارماً من الغلاة ، مستمدّين ذلك من توجيهات أهل البيت (عليهم السلام) في محاربة هذه الظاهرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة : 31 .
(2) البقرة : 32 .
(3) هود : 1 .
(4) التفسير الكبير : الفخر الرازي ، مج 1 ، ج 2 ص 259 ، دار الفكر ـ بيروت ، 1415 هـ .
(5) الأحزاب : 7 .
(6) روح المعاني ، الآلوسي : ج 21 ص 154 ، نشر : دار إحياء التراث العربي .
(7) روح المعاني ، الآلوسي : ج 22 ص 20 .
(8) الحجر : 72 .
(9) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج 1 ص 31 ـ 32 ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج 3 ص 138 ؛ وانظر : تفسير القرطبي : ج 1 ص 39 .
(10) صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج 14 ص 135 .
(11) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 2 ص 179 ـ 180 ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير: ج 2 ص 317 ؛ الجامع الصغير ، الطبراني : ج 2 ص 247 ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ج 1 ص 176 ؛ الشفاء ، القاضي عياض ، ج 1 ص 166 الباب الثالث الفصل الأول .
(12) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 3 ص 62 ؛ صحيح مسلم ، مسلم النيسابوري : ج 7 ص 59 ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 2 ص 540 ؛ سنن ابن ماجة : ج 2 ص 1440 ؛ سير أعلام النبلاء : ج 8 ص 294 وج 10 ص 223 ؛ وغيرها .
(13) الكهف : 65 .
(14) البقرة : 31 .
(15) الأحقاف : 9 .
(16) الأنعام : 50 .
(17) الأعراف : 188 .
(18) الجن : 26 ـ 28 .
(19) البقرة : 255 .
(20) النساء : 163 .
(21) هود : 31 .
(22) هود : 65 .
(23) آل عمران : 49 .
(24) الروم : 1 ـ 4 .
(25) الفتح : 27 .
(26) يونس : 38 .
(27) هود : 13 .
(28) الفتح : 20 .
(29) المائدة : 67 .
(30) البقرة : 30 .
(31) روح المعاني ، الآلوسي : ج 1 ص 220 .
(32) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 2 ص 303 ؛ صحيح ابن حبان ، ابن حبان ج 14 ص 250 .
(33) صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج 14 ص 250 .
(34) آل عمران : 49 .
(35) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ص 485 .
(36) فاطر : 32 .
(37) البقرة : 124 .
(38) البقرة : 127 ـ 129 .
(39) الجامع الصغير ، الطبراني : ج 1 ص 414 ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج 3 ص 590 ؛ كنز العمال : ج 11 ص 384 ـ ص 405 .
(40) الأنعام : 83 ـ 87 .
(41) مريم : 58 .
(42) الحديد : 26 .
(43) الأعراف : 144 .
(44) ص : 45 ـ 47 .
(45) آل عمران : 33 ـ 34 .
(46) النجم : 39 .
(47) الحجرات : 13 .
(48) الدر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 332 ؛ تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر: ج 3 ص 408 ، وكذلك البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 2 ص 318 ، وكذلك اليرة النبوية : ابن كثير : ج 1 ص 196 .
(49) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 128 .
(50) تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج 6 ص 56 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 42 ص 63 .
(51) الحديد : 26 .
(52) الأنعام : 83 ـ 87 .
(53) البقرة : 124 .
(54) النمل : 16 .
(55) التفسير الكبير ، للفخر الرازي : المجلد الثاني عشر ج 24 ص 187 .
(56) النمل : 15 .
(57) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : المجلّد الثاني عشر : ج 24 ص 186 .
(58) المعجم الكبير ، الطبراني: ج 5 ص 221 ؛ وذكره ابن حبان في الثقات : ج 1 ص 142؛ تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ج 21 ص 415، ج 42 ص 53؛ مناقب الخوارزمي : ص 152 .
(59) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 370 .
(60) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج 2 ص 171 .
(61) شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج 2 ص 224 .
(62) المصدر نفسه : ج 1 ص 99 .
(63) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 78 .
(64) الدر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 606 .
(65) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج 1 ص 432 .
(66) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 81 .
(67) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي حديد : ج 1 ص 30 .
(68) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 77 .
(69) نظم درر السمطين ، الزرندي : ص 208 ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 78، ج 2 ص 45، 382، 465 .
(70) الرعد : 43 .
(71) النمل: 38 ـ 40 .
(72) النحل : 89 .
(73) الرعد : 43 .
(74) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 230 .
(75) شواهد التنزيل ، الحسكاني عبد الله بن أحمد : ج 1 ص 400 ـ 405 .
(76) الكشف والبيان ، الثعلبي أبو إسحاق أحمد : ج 5 ص 303 ـ 302 .
(77) الجامع الأحكام القرآن ، القرطبي محمد بن أحمد : ج 9 ص 336 .
(78) النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في علي (عليه السلام) ، الأصبهاني ؛ أحمد بن عبد الله بن أحمد (أبو نعيم) : ص 125 ؛ تحقيق محمد باقر المحمودي .
(79) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، الآلوسي : ج 13 ص 176 .
(80) قال الذهبي في حقّه : ابن مردويه الحافظ ، المجوّد ، العلاّمة ، محدّث أصبهان ، كان من فرسان الحديث ، فهماً يقظاً متقياً كثير الحديث جداً ، ومن نظر في تواليفه عرف محلّه من الحفظ ، راجع : الذهبي : سير أعلام النبلاء : ج 17 : ص 308 ـ 309 .
(81) مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، الأصبهاني ؛ ابن مردويه أحمد بن موسى : ص 268 ؛ جمعه وقد له عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين .
(82) النحل : 89 .
(83) العنكبوت : 49 .
(84) المفردات في غريب القرآن ، الراغب : ص 308 .
(85) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج 3 : ص 148 .
(86) جامع البيان ، الطبري : ج 22 : ص 12 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 9 : ص 26 ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج 2 : ص 120 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 145 .
(87) تفسير ابن كثير، ابن كثير : ج 3 : ص 492 .
(88) المصدر نفسه : ج 3 ص 492 .
(89) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 3 ص 493 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 22 ص 11 ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج 2 ص 103 .
(90) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 3 ص 493 ؛ وانظر : المعجم الأوسط ، ج 4 ص 134 ؛ وانظر : شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج 2 ص 102 .
(91) تفسير ابن كثير : ج 3 ص 493 .
(92) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 3 ص 466 .
(93) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد : ج 2 ص 27، ج 9 ص 84؛ ينابيع المودة، القندوزي: ج 3 ص 293.
(94) ينابيع المودة، القندوزي: ج 1 ص 306 .
(95) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 306 .
(96) شرح نهج البلاغة : ج 1 ص 276 ؛ جواهر المطالب : أحمد بن محمد الدمشقي الشافعي : ج 1 ص 343 ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 1 ص 80 ؛ ج 3 ص 408 .
(97) مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ابن المغازلي ص 295 ، ط 2 .
(98) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 42 ص 385 ، وكذا جاء في الكامل : ج 4 ص 101 ؛ ميزان الاعتدال : ج 2 ص 327 ؛ فيظ القدير في شرح الجامع الصغير : ج 4 ص 469 .
(99) ينابيع المودّة ، القندوزي ج 1 ص 215 ، 223 ، ج 3 ص 146 .
(100) الأحقاف : 9 .
(101) الأنعام: 50 .
(102) الجن: 26 ـ 27 .
(103) النساء : 163 .
(104) الأنعام : 50 .
(105) هود : 49 .
(106) النمل : 65 .
(107) تفسير روح المعاني ، الآلوسي : ص 9 .
(108) أصول الكافي ، الكيني : ج 1 ص 256 ، بصائر الدرجات ، الصفار : ص 533 .
(109) الجن : 26 ـ 27 .
(110) الزمر : 42 .
(111) السجدة : 11 .
(112) الأنعام : 61 .
(113) مروج الذهب ، المسعودي : ج 2 ص 425 ، الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، ج 3 ص 347 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج 19 ص 119 .
(114) ذخائر العقبى : ص 97 ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج 2 ص 186 ؛ وانظر شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ج 3 ص 169 ـ 171 .
(115) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 5 ص 114 ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 7 ص 388 ؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) ، ابن الدمشقي : ج 2 ص 81 .
(116) شرح نهج البلاغة : ج 7 ص 47 ـ 49 .
(117) فرائد السمطين : ج 2 ص 187 .
(118) انظر : الصحاح للجوهري مادة (غلا) واللسان لابن منظور (غلو) .
(119) المعجم الوسيط : مادة (طرف) .
(120) اقتضاء الصراط المستقيم ، ابن تيمية : ج 1 ص 106 .
(121) فتح الباري ، ابن حجر : ج 13 ص 234 .
(122) البقرة : 34 .
(123) بحار الأنوار ، المجلسي : ج 2 ص 262 ، وج 11 ص 45 .
(124) المصدر نفسه : ج 11 ص 141 .
(125) الفتح : 9 .
(126) انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج 2 ص 35 . ط بيروت ـ دار الفكر ، 1409 هـ .
(127) الحجرات : 2 ـ 4 .
(128) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج 2 ص 36 .
(129) الحجرات : 1 .
(130) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج 2 ص 35 ـ 36 .
(131) المصدر نفسه : ج 2 ص 42 .
(132) المصدر نفسه : ج 2 ص 42 .
(133) صحيح مسلم ، مسلم : ج 7 ص 123 ؛ مسند أحمد بن حنبل ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 367 ، وانظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 5 ص 163 .
(134) المناقب ، الخوارزمي : ص 87 .
(135) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 234 .
(136) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 18 .
(137) المصدر نفسه : ص 18 .
(138) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج 4 ص 157 ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج 1 ص 50 .
(139) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج 9 ص 84 .
(140) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج 2 ص 206 ؛ وانظر : ذخائر العقبى ، الطبري : ص 138 .
(141) البقرة : 34 .
(142) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 1 ص 215 وص 347 .
(143) أُصول الكافي ، الكليني : ج 2 ص 391 .
(144) بحار الأنوار ، المجلسي : ج 25 ص 297 .
(145) الأمالي ، الطوسي : ص 650 ح 1349 / 12 .
(146) تصحيح اعتقادات الإمامية ، المفيد : ص 131 .
(147) اعتقادات الإمامية ، الصدوق : ص 97 .
(148) أصل الشيعة وأُصولها ، كاشف الغطاء : ص 173 .
(149) المصدر نفسه : ص 177 .
(150) مريم : 85 .
(151) الحجرات : 13 .
(152) الرعد : 43 .
(153) النمل : 40 .
(154) النحل : 89 .
(155) العنكبوت : 49 .
(156) الواقعة : 77 ـ 79 .