عدد الذين شاهدوا هذه الصفحة معك

02‏/05‏/2013

ذكريات طفل عراقي



 ذكريات طفل عراقي
قصة قصيرة
بقلم ضياء الدراجي

لا اعلم متى بداءت افهم الحياة وكيف بداءت ذكرياتي فكل ما اذكره سريري الصغير المصنوع من الحديد وحزن شديد في دارنا البسيط على فتاة قد ولده بالأمس وماتت اليوم قالوا بنها أخت لي فكانت أول ذكرى حزينة لي ,كنت أخشى النوم وحدي حالي كأي طفل صغير أخاف من الطنطل والسعلوة والأشباح واصوت القطط والكلاب التي كانت تكسر سكون الليل  كنت احتضن أمي بخوف شديد حتى اشعر بالاطمئنان فنحن نعيش في منطقة نائية حديثة في أطراف بغداد لا تتجاوز البيوت فيها عدد أصابع اليد تمر بجوارنا ساقية ماء خلفها حقول خضراء لتجمع هذه الحقول الكثير من الحيوانات السائبة ,كانت بالنسبة الى عائلتي حياة عادية لأنهم من الريف وعاشوا في أوضاع أسوء من ذلك أما أنا فلازلت طفل صغير لم أتجاوز الرابعة من العمر أخشى كل شي وأخاف من كل شي حتى من صوت السيارات التي كانت تمر على مسافات بعيدة من الدار ,كان لنا جار من أقربائنا يبعد مسافة 100 متر عن الدار كان والدي يأخذني معه كل يوم يتسامرون ويحكون القصص لأجد نفسي في الصباح نائم في سريري الحديدي في البيت  ,وفي أحدى الليلي سمعت قصة من احدهم بان هناك نجمة ذات ذنب ستظهر في السماء من ينظر أليها يفقد البصر لذلك اعتراني خوف شديد من هذه النجمة فأصبحت أخشى أن انظر الى السماء في الليل وكنت عندما انام مع أمي على سطح الدار في فصل الصيف أنام على وجهي وأظل كذلك حتى الصباح خوفا من أن أرى تلك النجمة وافقد بصري أنا لا اعرف ما الفرق بين النجوم والشهب فكان كل شهاب يسقط يعتبر كارثة بالنسبة لي وأقول لامي وأنا ابكي (يمة اني اشوفج) هكذا أنا خواف دائما , في يوم احضر لي ابي في احد الأيام اختراع جديد لم أشاهده في حياتي وهو عبارة عن بالون احمر(نفاخة) مملوء بالهواء فرحت بها كثيرا وصرت العب به واركض في أرجاء بيتنا البسيط فرح بهذا الشيء الجميل حتى انفجر في وجهي فكان صوت مرعب بالنسبة لي فصرخت مرتعباً واتجهت تحت السلم وأنا أضع أصابعي في أذاني واصرخ بهسترية فلم اسمع صوت مثل هذا الصوت من قبل ليصبح كابوس يراودني في أحلامي طيلة سنوات طفولتي لأجد نفسي بعد النوم اركض في أرجاء الدار والكل يحاول ألامساك بي وأنا اصرخ (راح يطك راح يطك) مرت السنوات وأنا أصارع مخاوف الطفولة حتى دخلت المدرسة الابتدائية والتي كانت تبعد 1000 متر عن بيتي كنت أشاهدها من البيت لكنها بعيدة أخذتني أمي الى المدرسة في اليوم الأول كان ذلك عام 1978م لأجد نساء يختلفن في لباسهن عن أمي  فقد كانت أمي ترتدي الشيلة والعباءة  السوداء أما تلك النساء فكن يرتدن تنانير قصيرة وقمصان ملونة وشعورهن ظاهر كن متسلطات يصرخن في كل شخص ويضربن الطلاب الذي يشاغبون فزادة مخاوفي خوفا أخر فأصبحت أخشى المعلمة والمديرة فكنت اذهب الى المدرسة قبل الكل خوفا من أن أتأخر وأعاقب وكنت أنجز كل فروضي خوفا من العقاب لأجد نفسي الأول ما بيين الطلاب فقد أحبتني معلمتي للصف الأول وأصبحت تهديني الهدايا كلما ظهرت نتيجتي كأول على الصف رغم رث ملابسي التي كانت تختلف عن ملابس زملائي الأغنياء وفي يوم وأنا خارج من المدرسة تجمعوا علي زملائي في الصف وضربوني بشدة وقالوا باني لا انتمي أليهم وأهلي أميون ليس كاهلهم المهندسون والدكاترة والمعلمين فلماذا أنا متفوق عليهم واخبروني أن حضرت الى المدرسة سيضربونني بشدة كلما رأوني, خفت وهربت الى البيت كان وجهي عليه علامات خدوش أظافر زملائي والدماء تسيل منها فلما شاهدت أمي حالي أخذتني في اليوم التالي الى المدرسة وأنا ابكي وأقول (ما اريد اروح يكتلوني يمة) دخلت أمي على المديرة فقابلتها المديرة بنفورة وقالت (شتردين) قالت لها (شوفي ابني شمسوين بيه الطلاب ليش هو شمسوي) قالت لها المديرة (يجوز هو وكح شمدريني) وهنا دخلت معلمتي الى الإدارة وعندما شاهدتني قالت (ليش اليوم غايب حبيبي) قالت لها امي (البارحه كتلوه الطلاب وخرمشو وجه) قالت المديرة للمعلمة (هذا شلونه) قالت معلمتي (هذا حبيبي اشطر واحد بالصف ) ثم قالت لي (تعال حبيبي من سوه بيك حيج) فقلت والدموع تنزل من عيني وبشهقة (فلان وفلان وفلان وكلولي اذا تجي بعد نكتلك)  ذهبت المعلمة الى الصف وجمعت الطلاب وعاقبتهم أمامي وقالت (بعد أي واحد يحجي وياة اضربة 12 عودة) ,لم يتجرا بعد ذلك الحادث أن يتكلم مع أي واحد من زملائي فأصبحت اهتم بدراستي بشكل جيد وأحببت درس الرسم الذي أصبح جزء من حياتي ارسم البيوت والأكواخ والزهور والسواقي كانت أبي يحضر لي الألوان  ودفاتر الرسم ,وفي يوم اعتلت الفرحة البيت فقد ولدت أمي لي شقيق واجتمع عندنا الأحبة والأقارب للتهنئة وفي هذه الفترة زاد عدد السكان في منطقتنا وازدادت البيوت المبنية حتى أصبحت اغلب القطع الفارغة دور سكنية كانت حياة جميلة تنغصها بعض الأمراض الصدرية وإلام الأسنان , حتى جاء اليوم المرعب في صيف عام 1980 عندما دوت  الأنفجارات في كل مكان معلنة الحرب العراقية الإيرانية فهذه الأصوات أعلى  وأرعب من صوت النفاخة كنت أضع أصابعي في أذني واصرخ وأشهاد أخي الصغير أيضا يصرخ لكنة صغير لا يعرف كيف يسد أذانه فاسد أذانه بيدي لكن الصوت قوي ويرعبي فتراني أضع يدي مرة على أذني ومرة أخرى على أذن أخي الصغير ثم حملته وأنا ابن ألثمان سنوات ودخلت معه وهو في حضني تحت أحدى مقاعد الدار لنحتمي من تلك الكوارث والأصوات والانفجارت مشهد أرعبني بشدة كنا وحدنا في الدار فقد كان الأب في العمل والأم في السوق .
كنت أخشى صوت البالون المنفجر لكن ألان جاءت أصوات أقوى من ذلك البالون تهتز الأرض من تحتي من شدة انفجارها حتى أضحيت أخشى صوت صفارة الإنذار  المتقطعة والطويلة التي كانت تعلن عن بداء او انتهاء الغارة الجوية  ,ظلت الغارات الجوية والصواريخ تتابع طيلة الأيام التالية بالإضافة الى صفارات الإنذار وأصوات المقاومات والعيارات النارية والتي كلما بداءت اتجه بلا وعي الى تحت المقعد في غرفة الاستقبال, بعد شهر جاءت مصيبتي الجديد عندما بداء الدراسة فأصبح يوم الخميس يوما أخشاه فكنا نحن الطلبة الأوائل نتسابق لنرفع العلم لكن بعد الحرب أصبحنا نهرب من هذه الفخر بسبب أطلاق النار من قبل منتسبي الدفاع المدني بقرب العلم عند رفعه فكانت أيدنا تترك الحبل لتتجه تلقائيا الى الأذن رعبا من صوت البندقية وكانت رائحة البارود تتدخل أنوفنا وأفواهنا وكان العلم يسقط على الأرض لنوبخ بسبب ذلك ونضرب بالعصي من قبل الإدارة  كنا بأعمار مابين السادسة والثانية عشر فأي رعب كنا نعيشه في تلك الفترة ,وفي احد الأيام جاء خبر لولدي بأنهم احضروا فلان شهيد فذهب والدي مسرع خارج الدار قلت شهيد ما الشهيد كلمة او تعبير أول مرة يطرق مسامعي فخرجت وراء  والدي مسرعة اتبعه دون أن يعلم وأنا امشي كلما شاهدت احد أصدقائي أقول له ( تعال وراي نشوف الشهيد) فيقول لي (شنو شهيد) ويتبعني حتى تجمع معي أكثر أطفال المنطقة ونحن نتبع والدي الذي راح يهرول الى احد البيوت في المنطقة وعندما وصلنا الى ذلك البيت صُدمنا بوجود الكثير من الرجال والنساء والصراخ والعويل والدموع  لم نعرف السبب لأننا لا نعرف ما الشهيد فدخلت الى دار الشهيد  كون صاحب الدار احد أقربائي فسمح لي من في الباب وطرد الأطفال الباقين حشرت نفسي بين الحشود من الرجال والنساء الباكين حتى وصلت الى صندوق خشبي ينام به رجل يوجد في جبهته ثقب خرجت منه دماء متيبسة ولونه شاحب يرتدي بذلة عسكرية وحذاء عسكري ارتعبت جدا وخرجت بسرعة من تلك الغرفة الخانقة وظل ذلك المشهد للرجل الميت يراودني في أحلامي فلم اتجرء بعدها النظر الى أي جثة أخرى فقد عرفت معنى الشهيد,وخلال الأعوام الثمانية بعد تلك الحادثة توالت جنازات الشهداء من شباب المنطقة ومن رجالها وأصبحت معتاد على صوت العويل والنواح واللافتات السوداء على جدران بيوت الحي

تمت
بقلم ضياء الدراجي