عدد الذين شاهدوا هذه الصفحة معك

06‏/05‏/2013

المجاهد المجهول في زمن المجهول


المجاهد المجهول في زمن المجهول
قصة قصيرة
بقلم ضياء الدراجي

كنت كل يوم بعد العاشرة مساءا اذهب الى بيت احد الأصدقاء لأجد عنده بعض من أصدقائنا للتسامر واللهو كنا نجلس أما في داره أو عند سياج الدار الخارجي نتكلم في كل شي حتى الثانية بعد منتصف الليل ثم أعود الى الدار للنوم ,نفس الوجوه تتكرر يوميا  كان ذلك عام 1994 كنت في المرحلة الرابعة في الكلية وأصدقائي في معاهد وكليات أخرى ما جمعنا مع بعضنا هو صداقة الإعدادية والمنطقة وكان احدهم منتسب الى جهاز الأمن العام للنظام  كان جارنا وزميل أيام الثالث متوسط  ونعرفه جيدا هو وعائلته كنا نرزح تحت حصار دولي شديد سببه التصرفات الطائشة للنظام الحاكم آنذاك كانت الملابس والأحذية من السلع الصعب الحصول عليها ومن النادر أن يشتري احدنا قميص او بنطرون او حتى حذاء فكانا نتبادل القمصان بين الأصدقاء حتى لا نكرر أنفسنا في اليوم التالي في الجامعة وحالته التبادل قد تضم أكثر من 20 صديق  بحيث انك في شهر واحد لا تلبس القميص نفسه كانت طريقة جميلة لنظهر لزملائنا في الجامعة بأننا من الطبقات الراقية وان لدينا الكثير من الملابس كنت الوحيد من بين أصدقائي املك سيارة استخدمها كسيارة أجرة لأتدبر معيشتي ومعيشة عائلتي, في احد الأيام كنا نجلس في غرفة دار صديقنا حول اختراع أسمة الفسفوسه وهو عبارة عن قنينة زجاجية كانت تستخدم لحفظ الحليب تملا بمادة النفط وتوضع فيها فتيلة من قماش وتسد فتحتها بالتمر وتشعل لغرض الإضاءة فقد كانت الكهرباء مقطوعة في كل أرجاء العراق بسبب القصف الجوي الأمريكي الذي أصاب ألبنا التحتية للعراق عام 1991 وترك العراق خراب وترك نفس النظام يحكمه ويحيله الى خراب ,وبينما كنا نتسامر ونتفاخر بقصصنا العاطفية في الجامعة والمعهد اقترب مني صديقي منتسب الأمن العامة وقال غدا لدي عمل معك احتاجك وسيارتك ,كان هذا الشخص من الأصدقاء المقربين وحاله كحالنا لا يملك شي حتى ملابسه كنت قديمة أثق به ثقة عمياء كما انه يثق بي كذلك فقلت له متى الموعد قال في السابعة صباح غدا فوافقت رغم انه كان لدي دوام في الكلية تركت الدوام من اجل صديقي العزيز, وصلت الى داره في الوقت  المحدد كان يقف أمام الدار ويحمل معه مسدسه العسكري ويلبس ملابس مدنية أره لأول مرة يرتديها  جميلة وأنيقة وجديدة صعد معي السيارة  وانطلقنا الى أحدى مناطق بغداد في الكرخ كنت أظن أن لديه موعد مع فتاة ما ,فقد كنا في عمر 22 سنة  شباب في عمر المراهقة وصلنا الى احد الطرق العامة فكان في انتظارنا شابان لا اعرفهما احدهم اسمر اللون صعدا معنا في السيارة وكانا يحملان المسدسات الحكومية والأصفاد الحديدية فمن مظهرهما أيضا كانا منتسبين في الأمن العامة هنا اختلفت عندي الأمور ودخل الشك قلبي فقد بداء الشاب الأسمر بإعطاء الأوامر لي بالتوجه الى شوارع فرعية متداخلة وكنت انظر بالمرآة الى صديقي الذي جلس خلفي وعيوني كلها عتب لكنه كان يشيح بوجه عني حتى وصلنا الى بيت في زقاق ضيق فتح لي الشاب الأخر الأبواب وأدخلت السيارة الى كراج البيت نزلنا  ودخلنا أحدى الغرف كنت أتصبب عرقا ولم أتكلم بأي كلمة جلست وقد استسلمت لفكرة الموت وحضرت نفسي لآلام الطلقات النارية جلست مع الشبان الثلاث ثم انطلق احدهم الى الخارج وبعد نصف ساعة احظر معه صمون وجبن وصنع الشاي قال الشاب الأسمر مد أيدك نتمالح لم أستطيع أن أكل الى القليل ثم شربت الشاي فقد كان الخوف يتملكني ثم التفت الشاب الأسمر الى صديقي وقال له صديقك أمان قال له ثق به كما تثق بي هنا تغير الموقف لم افهم ما الأمر كان الشعور بالخوف لا يزال يلازمني ثم انطلاق الشباب الثلاثة بالكلام فيما بينهم قال الشاب الأسمر وهو الزعيم على ما اعتقد أننا اليوم يجب أن نصفي الشخص الذي يكتب التقارير عن أبناء المنطقة فقد دخل بسببه الكثير من أهلنا وأصحابنا المعتقل  فقال له صديقي وهل عرفتم من هو قال الشاب الأسمر بالأمس عندما كان النقيب يهمش البريد ترك باب غرفته مفتوح واتجه الى الحمام وطلب مني أن اجلس في الغرفة ولا اسمح لأي شخص بالدخول وعند خروجه قلبت البريد فوجدت تقرير عن احد الشبان المصلين وعرفت اسم وعنوان كاتب التقرير وهو صاحب محل لبيع الذهب في المنطقة لذلك قررت اليوم معكم أن ندخل عليه في محلة ونعتقله بتهمه بيع الذهب المسروق ثم نتجه به الى أحدى المزابل في بغداد ونصفيه هناك قال صديقي متى التنفيذ قال الشاب الأسمر انتظر صديق  سوف يأتي بعد قليل لننفذ العملية ,وبعد ساعة دخل علينا شاب أخر كان وجهه شاحب وسلم على الشبان ثم قال بالأمس كنت أنفذ عملية لتصفية ضابط امن في بغداد قام باغتصاب أحدى المعتقلات البواكر لنزع اعترافها فصعدت عندي الغيرة واتجهت الى داره في الليل  لتصفيته لكن المنطقة كانت ملغومة بالرفاق البعثية  كون سكانها من ضباط المخابرات والأمن للنظام  الحاكم ودخلت  المنطقة باستخدام هوية الأمن العامة خاصتي ولكن احد الفراق البعثية شاهدني عند عبوري سياج دار الضابط وأطلق النار مما اخرج كل المنطقة ورائي من الضباط والبعثية فدفنت سلاحي وهويتي في حديقة احد الدور المتروكة في المنطقة وهربت بصعوبة ,غضب الشاب الأسمر واخذ بالصراخ وقال كم مرة قلت لكم أن تخبروني بأي عملية تنفذوها نحن نحتاج الى عمل جماعي وليس فردي فان انكشف واحد منكم سوف ننكشف جميعا ثم جلس وعم الصمت , بعد ذلك تكلم الشاب الأسمر الى الشاب الشاحب قال هل عرفوك قال الشاب نعم الرفيق الذي قراء هويتي والرفيق الذي أطلق النار علي ,ضرب الشاب الأسمر بغضب الأواني التي كنا نفطر بها وبعثرها في الغرفة ثم قال تغيرت الخطة لهذا اليوم يجب أن نستعيد السلاح والهوية المدفونة في حديقة البيت فان وجدوها سوف ننتهي جميعا ,اقترب الشاب الأسمر من الشاب الشاحب وباغته بضربة قوية على عينة ليسقطه على الأرض وتصبح عينه ذات هالة سوداء تحيطها من كل جانب ثم وضع الأصفاد في يده من ناحية الظهر قال له صديقي لماذا فعلت ذلك قال الشاب الأسمر هذه هي الخطة نسير ألان في وضح النهار الى المنطقة ومن يسألنا نقول له بأننا قبضنا على المجرم واعترف بأنه كان يحاول السرقة في المنطقة ولدية سلاح مسروق وهوية مزورة سكت الجميع ثم فتحوا باب الكراج وأخرجت سيارتي وصعد الشاب الأسمر في المقعد الأمامي ووضعوا الشاب الشاحب بين الشابين الباقيين وهو مكبل بالأصفاد في المقعد الخلفي وانطلقنا الى المنطقة التي دفن فيها السلاح والهوية وكان دليلنا الشاب المكبل الشاحب وبعد نصف ساعة أوقفنا الشاب الشاحب أمام بيت مهجور غطت الحشائش حديقته نزلنا جميعا من السيارة  عدى الشاب الشاحب المكبل وخلال خمس دقائق تجمع علينا رجال ونساء من المنطقة وكل واحد يسأل من انتم فكان الشاب الأسمر يخبرهم أنهم من الداخلية وقد قبضنا ليله أمس على احد المجرمين واعتراف انه كان يحاول أن يسرق احد بيوت الضباط في هذه المنطقة وكان يحمل سلاح حكومي مسروق وهوية امن مزورة , طلب منا احد الرجال أن نبرز هويتنا فاخرج الشاب الأسمر هويته مع زملائه وكانت الورقة الرابحة أنها تحمل عنوان الأمن العامة  ثم قال  عفية بالأبطال اذا تحتاجون شي انا بالخدمة فكل من في المنطقة من ضباط  في الاستخبارات والامن  والجيش ,فقال احد الرجال أنا رأيت المجرم  فهل هو معكم قال الشاب الأسمر نعم في السيارة فنظر اليه الرجل وقال نعم هذا هو من رأيته أمس وقراءت هويته ثم أنهال علية بالضرب حمل الشباب الثلاثة صديقهم المكبل الى داخل البيت حتى يستخرجوا السلاح والهوية لإنجاز المهمة وبقيتُ وحدي عند سيارتي كان الناس يوجهون الي الأسئلة والإعجاب لسرعتنا في القبض على المجرمين لكني كنت خائف جدا فأي غلطه او اتصال يقوم به احد الى الداخلية سوف انتهي ومصيري الإعدام لا غير ,توجه الي احد الرجال وقال لي عفيه بالابطال والله سباع جبتوه الجلب انت وياهم بالامن  فابتسمت وكانت لدي عادة عند شعوري بالخوف احك خدي فانتبهتُ الى أني مطلق لحيتي  وهذا يعني اني لست منتسب في الأمن لأنهم لا يسمحون بإطلاق اللحى في الدوائر الأمنية فقلت كلا أنا سائق أجرة استأجروني من أمام المركز وأحضروني الى هنا لا اعلم شي فنظر الى الرجل باشمئزاز ثم رحل عني, أرجعتُ نفسي الى الخلف ووضعت ظهري على رقم سيارتي خوفا من أن  يكتبه احدهم ,بعد نصف ساعة عاد الشباب ومعهم المعتقل الوهمي والسلاح والهوية المدفونين في الحديقة وتعاُلت أصوات الهلاهل للنساء وانهال الرجال بالضرب والشتائم على السجين وضعنا صديقنا في سيارتي لنخلصه من العذاب وانطلقنا خارج المنطقة وهنا تعالت الضحكات وفتحنا عن الشاب الشاحب الأصفاد لكنه تحول الى لوحة فنية من سواد وزراق وحمار من  شدة الضرب الذي تلقاه ,أعدتُ كل شخص الى مكانه وعدت انا وصديقي الى منطقتنا بعد هذا اليوم الخطير فقلت له مع من تعمل أأنت مع الدولة ام ضدها قال أنا ضد الحكومة لكني استخدم أدواتها للنيل من حكم طاغي يقتل ويعذب أبناء شعبي بالشبه بدون دليل
لم اتجراء يوما بعد ذلك أن التقي به فقد هدد حياتي وحياة عائلتي ووضعني موضع خطير دون أن يستشيرني , مرت السنوات بحلوها ومرها حتى انتهى حكم الطاغية في 2003 باحتلال أمريكي  وأمر الحاكم الأمريكي  بحل الجيش والأجهزة الأمنية  وبعد مرور 10 سنوات من الاحتلال التقيت بصديقي المجاهد لكنه بأسوء حال لم يعطى حتى الراتب ألتقاعدي ويلم ينال حقوقه كونه كان ينتسب الى جهاز قمعي ولم يُنظر الى مسيرته الجهاديه في مقارعه نظام دموي وتصفية وحوش كانت تتلذذ بدم الشهداء

تمت
بقلم ضياء الدراجي